«مجلس الأمن».. وحراسة الخوف

TT

في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 أجهض الفيتو الروسي الصيني مشروع قرارٍ بشأن سوريا، مما أشعل جدلا واسعا تجاه هيكلة مجلس الأمن وأدائه والنقاش حول توسيعه وتغيير نهجه. بلغ الاحتجاج ذروته حين أعلنت المملكة العربية السعودية في الثامن عشر من أكتوبر (تشرين الأول) 2013 رفضها عضوية غير دائمة في المجلس، وذلك بسبب «أسلوب، وآليات العمل، وازدواجية المعايير، إضافة إلى فشله في ردع النظام السوري عن ممارساته، وإخفاقه في جعل الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل».

من الواضح أن معضلة المجلس تكمن في تطور موازين القوى، وتجدد الأقطاب، وظهور لاعبين آخرين على السطح على نحوٍ لم يكن موجودا قبل خمسين عاما. بقي موضوع «إصلاح» مجلس الأمن ضمن الجدل في مراكز الدراسات الدولية والإقليمية، ذلك أن جموده على النحو الذي عليه سيحوّل هدفه من رابطته الاجتماعية وحماية الأمم من النزاعات والحروب إلى أداة لصناعة المصالح وتحسين شروط التفاوض، ليكون مجلسا لإدارة المصالح السياسية، بدلا من أن يفك الأزمات والصراعات والحروب والكوارث، وكان الفيتو الروسي في 15 مارس (آذار) 2014 ضد قرار الاستفتاء في شبه جزيرة القرم، إحدى الدلالات على هذا التحول.

وضع مجلس الأمن تشكيلته ضمن ضبط ميزان القوى في العالم، فمن خلال تلك المعادلة تحمي القوى مصالحها من خلال السعي نحو «السلام» وتوازن القوى - بحسب ريتشار نيكسون - يحقق الاعتراف بوجود تناقضات وتضارب المصالح، مما يقود بالضرورة إلى إدارة الأزمات لتحقيق سلام مثالي، وفي حال وجود عالم «أحادي القطبية» تقل المناورة بين القوى المتصارعة، وتصبح هيكلة العلاقات الدولية ونوعيتها نابعة عن القطب الفاعل في النظام العالمي الجديد.

شكّل الصعود الروسي الحالي بوجه الهيمنة الأميركية التي كانت طاغية خلال العقود الماضية، وتخلي أميركا عن مصالحها في الشرق الأوسط، ذروة التراجع للقبضة الواحدة على المعضلات في العالم، مما أحيا مشاهد الحرب الباردة. رأى البعض أن صعود روسيا يحقق تعددية في المجالات السياسية، ذلك أن هذا الصعود يفكك الواحدية السياسية، ويعيد السياسة إلى «وثنيتها التعددية» كما هو تعبير الكاتب السوري أدونيس في تعليقه على التحدي الروسي للولايات المتحدة.

مشكلة مجلس الأمن جزء من مشكلة الأمم المتحدة، ذلك أن تعديل ميثاقها يحتاج إلى عملٍ صعب، إذ يشترط أن تصدّق التشريعات المحلية ذات الصلة بنسبة الثلثين من الدول الأعضاء، والميثاق لم يراجع إلا ثلاث مرات خلال خمسة وستين عاما. وفي عام 1965، تم توسيع مجلس الأمن من 11 عضوا إلى 15 عضوا عبر إضافة أربعة أعضاء منتخبين. وفي نوفمبر 2010 أعلن الرئيس أوباما دعمه للهند للحصول على مقعدٍ دائمٍ، وفرنسا من الدول المتحمسة لإصلاح المجلس وتغيير هيكلة الأمم المتحدة، وإدراج أعضاء فاعلين مثل اليابان والهند والبرازيل، وتؤمن أن مجلس الأمن في وضعه الحالي سيتآكل، على النحو الذي شرح في كتاب «توسيع مجلس الأمن ومصالح الولايات المتحدة» من تأليف كل من: كاراسي ماكدونالد، وستيورات إم باتريك.

تأكل السياسة ما بقي من أخلاق، وهي لا تتشرب الأخلاق أو تدافع عنها، غير أن الحد الأدنى يحضر حين تنشب المذابح والحروب الأهلية، وحين تضرب المجاعات، ليست المشكلة في الحروب بين القوى، أو الصراعات بينها، بل أن تساهم مؤسسة مهمتها ضبط الأمن في منح الفرص للقوي أن يفتك بالضعيف. الحروب جزء من حال التدافع الطبيعي، وهي جزء من «بنية الدولة» بحسب تعبير هيغل، لكنها الحروب بين القوى التي تؤسس لمناخات أخرى جديدة في العالم بعد انتهائها. فشل مجلس الأمن لم يكن في ردع الحروب أو إنهائها، وإنما في تحوّل وظيفته وازدواجية عمله، وفي نظامه المتآكل الذي لم يحقق الحد الأدنى من الحضور الأخلاقي والإنساني تجاه المجازر الخطرة التي يقيمها فرد يملك كل القوة ضد أطفال ونساء وعزّل لا يملكون أي قوة، إن هذه ليست حربا يمكن فهمها، بل مطحنة ومفرمة تجري على مرأى من العالم.

* كاتب وباحث سعودي