كيف يمكن لأوروبا تحقيق أهدافها لمواجهة التضخم؟

TT

انخفض معدل التضخم في منطقة اليورو بنسبة 0.7 في المائة في شهر فبراير (شباط)، حيث هبط عما كان عليه في شهر يناير (كانون الثاني) حينما سجل نسبة 0.8 في المائة. وكان ينبغي أن تؤدي هذه الأنباء، التي جرى الإعلان عنها الأسبوع الماضي، إلى جذب المزيد من الاهتمام. وفي المقابل، يواصل البنك المركزي الأوروبي إخفاقه المستمر في تحقيق هدفه ببقاء معدل التضخم «أقل من نسبة اثنين في المائة، ولكن مع اقترابه من تلك النسبة». ويمتلك البنك المركزي الوسائل التي تمكنه من فعل شيء ما حيال هذا الأمر، بيد أنه قرر عدم اتخاذ أي تصرف في هذا الصدد.

ويتطلب هذا الوضع وجود المزيد من سياسات التخفيف النقدي، ولكن مع وجود أسعار فائدة منخفضة جدا.

ومن غير الممكن للبنك المركزي الأوروبي أن يتبنى بسهولة سياسة التخفيف الكمي، التي استخدمها بشكل جيد البنك المركزي الأميركي وبنك اليابان، وذلك لأن صلاحيته القانونية لفعل هذا الأمر تعد مثيرة للجدل. وفي السياق نفسه، أحالت المحكمة الدستورية الألمانية قضية النظر في مشروعية برنامج «التعاملات النقدية المباشرة» (برنامج شراء السندات الذي أعلنه البنك المركزي الأوروبي ولكن مع عدم نشره على الإطلاق) إلى محكمة العدل الأوروبية في بداية هذا العام، موضحة أنها تعتقد أن البرنامج غير قانوني، وأنها ترغب في الحصول على توضيح من المحكمة العليا.

ويعد برنامج «التعاملات النقدية المباشرة» معنيا بالاستقرار المالي وليس الحوافز النقدية. ولكن إذا كان برنامج «التعاملات النقدية المباشرة» غير قانوني، فسينطبق الأمر نفسه على سياسة التخفيف الكمي بالنمط الذي اتبعه البنك المركزي الأميركي. وبناء على ذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل تعد هذه المخاوف المتعلقة بمشروعية البرنامج ذات مغزى؟

ومن جانبه، يشكك بول دي غراوي، الأستاذ بكلية لندن للاقتصاد، في هذا الأمر قائلا إن المحكمة الألمانية اتخذت قرارها بالاعتماد على حجتين رئيستين يشوبهما العوار.

وتتمثل الحجة الأولى، طبقا لما ذكرته المحكمة، في أن برنامج «التعاملات النقدية المباشرة» يتسبب في إلغاء الأحكام الخاصة بالمستثمرين بشأن الأسعار المناسبة للسندات الحكومية المتعثرة، ولا يعد هذا الأمر «سياسة نقدية» يقتصر عليها البنك المركزي الأوروبي بموجب شروط تفويضه. أما الحجة الثانية، فهي أن برنامج «التعاملات النقدية المباشرة» (مثل سياسة التخفيف الكمي) يجعل البنك المركزي معرضا لمخاطر تكبد الخسائر التي سيتحملها في النهاية دافعو الضرائب. وبناء على ذلك، فإن هذا الأمر يجعل برنامج «التعاملات النقدية المباشرة» بمثابة نوع من أنواع السياسة المالية، ومن ثم فإن البنك المركزي الأوروبي سيتجاوز صلاحياته المنوطة به.

ويقول دي غراوي إن الحجة الأولى خاطئة لأن المحكمة تفترض أن المستثمرين سيقومون، من تلقاء أنفسهم، بتسعير السندات بالشكل الصحيح. وفي الواقع، أن المستثمرين لا يفعلون ذلك، كما أن البنك المركزي يتصرف بالطريقة الملائمة في حال تدخله لمعالجة الأخطاء. وفيما يتعلق بالحجة الثانية، اعترف دي غراوي بأن مخاطرة التعثر تتسبب في خفض قيمة أسهم البنك المركزي. بيد أنه يوضح أن هذا الأمر لا يعد مشكلة لأن البنوك المركزية، على النقيض من الحكومات، لا يمكن أن تتعرض للتعثر، حيث يمكن لتلك البنوك إصدار أموال، ومن ثم فإنها لا تحتاج بالفعل إلى أي أسهم.

تحتاج أوروبا إلى وجود برنامج «التعاملات النقدية المباشرة»، ولذلك ستتحقق الفائدة في حال قبول محكمة العدل الأوروبية للأمور التي ذكرها دي غراوي. وتتمثل المشكلة في أن الحجج التي ساقها دي غراوي ليست مقنعة.

وفي الواقع أن احتمالية وجود أسباب وجيهة لدى البنك المركزي لشراء السندات المتعثرة لا تشير إلى وجود مثل هذه التعاملات داخل نطاق السياسة النقدية الجيدة. وإذا كان هذا هو الاختبار الذي يفرضه القانون، فلن تساعد الحجة الأولى التي ذكرها دي غراوي في هذا الأمر بالشكل الكافي. كما أن حجته الثانية، المتمثلة في عدم ضرورة قلق البنوك المركزية بشأن تكبد الخسائر، تعد أيضا بعيدة المنال. ولن تسهم وجهة النظر هذه في تبرير مسألة التمويل العادي والمباشر للحكومات حينما تغطي البنوك المركزية عجز ميزانية الحكومة وتتغاضى عن القروض التي تقدمها خلال هذه العملية. وفي الواقع، فإن مسألة حظر هذه المعاملة كانت هي الفكرة الرئيسة للقانون الذي يحدد صلاحيات البنك المركزي الأوروبي.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»