الوجه المخفي لحرب أفغانستان: الأفيون والنفط

TT

يحكي التاريخ عن «طريق الحرير» التي ربطت بين امبراطوريتي الصين وروما في القدم، والتي تسببت بالكثير من الحروب والنزاعات في القرون اللاحقة. وتشير التطورات الى أن هذه الطريق تحولت في العقد الأخير الى «طريق الأفيون» في ظل نظام طالبان الذي شجع زراعة الخشخاش الذي يستخرج منه الافيون. وازدهرت هذه الزراعة الى حد باتت معه افغانستان تنافس بورما، وهي المنتج الأول للأفيون في العالم، وصار 80 في المائة من الافيون المستهلك في أوروبا الغربية ينتقل عبر «طريق الحرير».

وقد لعب «المجاهدون الافغان» الذين دعمتهم باكستان والولايات المتحدة في مرحلة من المراحل دوراً رئيساً في هذه التجارة. ففي نهاية الثمانينات اصبحت باكستان تنتج 70 في المائة من كميات الافيون والهيرويين المستهلكة في العالم. وتقول الروايات ان قوافل الشاحنات والجمال والبغال التي كانت تنقل السلاح من باكستان الى المجاهدين في افغانستان كانت تعود محملة بالافيون الى باكستان. وحين تسلمت حركة طالبان الحكم في افغانستان، دأبت على الافادة من تجارة الافيون والهيرويين. صحيح انها حرمت تعاطي المخدرات، لكن الصحيح ايضاً انها لم توقف زراعة الخشخاش، بل نظمته وفرضت ضرائب على المحاصيل، مما كان يؤمن دخلاً لخزينتها يقدر بعشرات الملايين من الدولارات سنوياً.

وتشير معلومات روسية الى أن كيلو غرام الافيون يباع في افغانستان بخمسين دولاراً، ويصل ثمنه في موسكو الى عشرة آلاف دولار، أي بزيادة تبلغ مئتي مرة. وقد حقق نظام طالبان الأموال الطائلة في عام 1999 حين وصلت زراعة الخشخاش الى أوجها واحتلت مساحة تقارب تسعين الف هيكتار، وفق تقرير برنامج الامم المتحدة لمكافحة المخدرات. وحين قررت طالبان وقف هذه الزراعة تراجعت المساحات المزروعة الى اقل من عشرة آلاف هيكتار في عام 2000.

ومن الثابت ان تحول «طريق الحرير» الى طريق الافيون والهيرويين تم برعاية باكستانية مباشرة ومباركة اميركية غير معلنة. ولكن بعد عملية 11 ايلول (سبتمبر) عزمت واشنطن على تحويل «طريق الأفيون والهيرويين» الى «طريق النفط والغاز» ويزعم بعض المغالين ان الحرب على افغانستان هي في جوهرها حرب في سبيل النفط. وأظن أنها لو لم تكن هكذا فهي على الأقل حرب ذات بعدين: حرب على الارهاب واخرى على النفط. والولايات المتحدة في طريقها للقضاء على طالبان في اطار حربها على الارهاب، وهي مصممة على الامساك بثروات منطقة قزوين في اطار حربها على النفط والغاز.

يجمع المسؤولون الاميركيون على أن النفط هو «اولوية استراتيجية»، وان «أزمة الطاقة» واردة في أي وقت نتيجة «حادث في انابيب الاسكا أو ثورة في احدى الدول المصدرة»، مما «يهدد أمن الولايات المتحدة وازدهارها»، على حد ما جاء في دراسة اعدها معهد جيمس بيكر في نيسان (ابريل) الماضي. وكما كانت تجارة المخدرات من أفيون وهيرويين هي الوجه المخفي لنظام طالبان، فإن النفط والغاز هما الوجه المخفي من الحرب الاميركية على افغانستان. ولا شك لحظة انه لولا عملية 11 أيلول (سبتمبر) لما كانت واشنطن استطاعت ان تتخذ القرار باجتياح افغانستان عسكريا. ولكن لا اشك ايضا بأن الادارة الاميركية ستوظف حربها العسكرية في افغانستان لتعزيز موقعها في الصراع على نفط منطقة قزوين وغازها.

وكما ان تجارة المخدرات لم تبدأ مع تسلم طالبان الحكم في افغانستان، فإن السباق على نفط قزوين وغازه لم يبدأ مع الحرب الاميركية على افغانستان. والواقع انه ما انهار الاتحاد السوفياتي حتى سارعت الشركات الاميركية الى التنقيب عن النفط والغاز في منطقة قزوين، وقد وصلت التقديرات الأولية الى ان منطقة قزوين التي تضم قازاغستان وأوزبكستان وتركمانستان واذربيجان تحوي ما يقارب مائة مليار برميل من احتياط النفط.

. ورحبت الدول المعنية في حينه بالشركات الاميركية بهدف ايجاد الشريك القادر على مساعدتها لاستثمار ثرواتها الطبيعية وتحرير اقتصادها ليتماشى مع قوانين السوق. لكن الأمر لم يرق للدول المعنية بتلك البقعة من العالم، وفي طليعتها روسيا والصين وايران. فروسيا ترى في منطقة قزوين امتداداً طبيعياً لنفوذها. والصين ترى ان لها حصة طبيعية فيها. وايران ترى انها الممر الطبيعي للنفط والغاز. وفي اعتقادي أن للنفوذ الروسي الطبيعي مبرراته، وللحصة الصينية الطبيعية تفسيرها، وللممر الإيراني الطبيعي واقعه.

أمام هذا المثلث الاستراتيجي والطبيعي بين روسيا والصين وايران في منطقة قزوين، اضطرت الولايات المتحدة الى تجميد مشروع الغاز الذي سعت الى انجازه احدى الشركات الاميركية في عام 1994. ويشمل هذا المشروع إنشاء خط انابيب على طول يمتد نحو 1200 كيلو متر من تركمانستان الى باكستان عبر افغانستان مع احتمال ايصاله الى نيودلهي في الهند. وتبلغ كلفة هذا المشروع ما يقارب مليارين وخمسمائة الف دولار. وكانت تعتزم الادارة الاميركية مد انبوب للنفط في موازاة انبوب الغاز وقد اطلقت عليه تسمية «مشروع انبوب نفط آسيا الوسطى».

لكن المشروع الاميركي اصطدم بوضع افغانستان التي تشكل الحلقة الاساسية في المشروع الاميركي لنقل النفط والغاز من آسيا الوسطى الى بحر العرب. وقررت الشركات الاميركية وقف العمل بهذا المشروع حين تسلمت طالبان مقاليد الحكم في افغانستان، والى حين «تقوم في افغانستان حكومة معترف بها دوليا»، على حد ما جاء في تقرير وزارة الطاقة الأميركية في نهاية عام 2000.

وهكذا يتضح بأن الادارة الاميركية كانت تتحين الفرصة السانحة للانقضاض على نظام طالبان والامساك بافغانستان بالنظر الى أنها تشكل الحلقة الاساسية لنقل الطاقة. وجاءت عملية 11 أيلول (سبتمبر) لتفسح المجال أمام واشنطن للانقضاض على نظام طالبان في اطار مكافحة الارهاب، وفي الوقت عينه للامساك بمنطقة قزوين في اطار السيطرة على النفط والغاز.

من هذه الزاوية نفهم احتضان روسيا وايران لتحالف الشمال الافغاني وتشجيعه على تسلم الحكم في افغانستان بعد سقوط طالبان. في المقابل ما زالت باكستان تحاول انقاذ بعض من نفوذها عن طريق اشراك «الباشتون» في الحكم ، وهم في معظمهم يميلون اليها.

لم يخطئ من ادعى ان وراء كل الحروب اهدافاً واسباباً اقتصادية. ولا يبدو ان الحرب الاميركية في افغانستان تشذ عن هذه القاعدة. ولا استغرب ان تستمر المعارك العسكرية الى حين القاء القبض على اسامة بن لادن حياً أو ميتاً. وفي الموازاة ستستمر المساعي السياسية لاقامة حكم حليف للولايات المتحدة في افغانستان يسهل للشركات الاميركية مد انبوبي الغاز والنفط من اسيا الوسطى الى الهند. وفي ظل هذا الواقع، لا ارى ان الحل السياسي في افغانستان سيكون امراً سهلاً، على الرغم من نجاح العملية العسكرية. ولا استبعد ان يحتدم الصراع الاقتصادي على منطقة قزوين بين الولايات المتحدة من جهة وروسيا والصين وايران من جهة ثانية. وبقدر ما ثروة قزوين ضخمة بقدر ما يكون الصراع الاقتصادي شرساً.

انتهت حرب الإرهاب في افغانستان، لكن الحرب الاقتصادية ما زالت مستمرة في منطقة قزوين... وبكل الوسائل.