ثلاثة سبل يمكن بها تعزيز أمن أوكرانيا

TT

رسم رد الناتو على الغزو الروسي لأوكرانيا خطا أحمر، لكن هذا الخط هو ذاته الذي ترك الجيش الأوكراني وحيدا، يدافع عن نفسه. وإذا كانت العقوبات الدبلوماسية والاقتصادية الغربية بهدف ردع موسكو عن القيام بمزيد من الاعتداءات العسكرية، يجب عليهم أن يستكملوها باستراتيجية دفاعية قوية لتعزيز القوات المسلحة الأوكرانية.

عندما غزت روسيا شبه جزيرة القرم، حشدت 150 ألف جندي على طول الحدود شرق أوكرانيا. لا تزال معظم تلك القوات تهدد أوكرانيا، وهناك نحو 20 ألف جندي يحتلون شبه الجزيرة، في الوقت الذي تواصل فيه موسكو إرسال المحرضين لإثارة الاضطرابات في المناطق الشرقية من البلاد.

في المقابل كان رد حلف الناتو مخيبا للآمال، فقد عززت الولايات المتحدة وبريطانيا المجال الجوي في أستونيا ولاتفيا وليتوانيا بعدد من الطائرات المقاتلة، وبعثت بطائرات «إيه واكس» تقوم بأعمال الدوريات فوق بولندا ورومانيا. ونشرت الولايات المتحدة نحو عشرة طائرات F - 16S في بولندا، وأرسلت سفينة إضافية إلى البحر الأسود. في الوقت الذي لم يقم فيه أي حليف آخر بحشد قوات برية.

وعندما التقى رئيس الوزراء الأوكراني أرسيني ياتسينيوك بالرئيس أوباما هذا الشهر، رفض طلبه بالحصول على الأسلحة التي من شأنها تمكين جيشه من صد هجمات القوات الروسية، وعرضت إدارة أوباما، عوضا عن ذلك، توفير الزي الرسمي والوجبات العسكرية.

وفي خطوة سلبية مماثلة، زار نائب الرئيس بايدن، وارسو، وفيلنيوس، وليتوانيا، الأسبوع الماضي لطمأنتهم على التزام الجيش الأميركي بأمنهم، لكنه تجاوز كييف. وقد لوحظ هذا بالتأكيد من قبل موسكو، كما كان الحال مع تصريح أوباما مؤخرا بأنه لن يسمح للولايات المتحدة بالمشاركة في مغامرة عسكرية في أوكرانيا.

هذه التحركات التي قامت بها الولايات المتحدة وحلفاؤها ترسم خطا أحمر يجب ألا يتخطى من الخارج أو الداخل، وهو ما تسبب في خيبة أمل عميقة للأوكرانيين الذين عبروا في الأشهر الأخيرة بشجاعة عن رغبتهم في الحرية والانضمام في أوروبا - والذين شاركت قواتهم في مناورات دفاعية للناتو في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. هذا الخط الأحمر يطمئن فقط فلاديمير بوتين ومخططيه العسكريين، الذي عكس استخدامهم لقوات عسكرية مجهولة في شبه جزيرة القرم، مدى القلق الأولي تجاه الرد المحتمل من الغرب.

هناك تدابير دفاعية حذرة يجب على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي اتخاذها، لتعزيز الأمن في أوكرانيا. أولا: ينبغي على الولايات المتحدة أن توافق على الفور على طلب ياتسينيوك بالحصول على معدات عسكرية، من بينها الأسلحة المضادة للدبابات ومضادات للطائرات. هذه المعدات والأسلحة يمكن أن تنقل بسرعة من مخازن الجيش الأميركي الموجودة في أوروبا.

إذا لم يستطع حلف شمال الأطلسي التوصل إلى إجماع لتقديم مثل هذه المساعدة، يجب على واشنطن تشكيل تحالف من الراغبين في تقديم هذه المساعدات أو التصرف من تلقاء نفسها. هذه الأسلحة ستزيد من صعوبة التخطيط العسكري الروسي، ومخاطر عملياتها ضد أوكرانيا. وسوف تعيد المعدات الأميركية على وجه الخصوص إلى الأذهان ذكريات غير سارة، عندما واجهت القوات السوفياتية الأسلحة الغربية في أفغانستان.

ثانيا: يتعين على التحالف أو الائتلاف بقيادة الولايات المتحدة، دعم هذه المساعدة في نشر قدرات الاستخبارات والمراقبة والمدربين العسكريين في أوكرانيا. وهذا من شأنه توفير الوعي ومساعدة الجيش الأوكراني في تعزيز قدراته الدفاعية، وسيجبر موسكو في الوقت ذاته على دراسة التداعيات السياسية والعسكرية المحتملة لأي إجراء يؤثر على هذا الوجود. فقد كان نشر المدربين العسكريين في جورجيا أحد العناصر الأكثر فعالية، في جهود الولايات المتحدة لتعزيز الأمن في جورجيا، بعد تعرضها للغزو من قبل روسيا في عام 2008.

ثالثا: يتعين على حلفاء الناتو والشركاء إجراء تدريبات عسكرية خلال الفترة المقبلة في أوكرانيا، كجزء من الجهود المبذولة لتدريب الجيش الأوكراني. وخطة الحلف في الانتظار حتى المناورات التالية المقررة في أوكرانيا، هذا الصيف، يمكن أن تحفز روسيا لاتخاذ إجراءات عسكرية إضافية قبل ذلك.

قوة الرد التابعة للناتو، التي أنشئت لنشر قوة يبلغ قوامها لواء عسكري في غضون فترة وجيزة، يدعمه غطاء جوي، يصلح تماما لمثل هذه العملية. هذه القوة توفر وسيلة لإظهار تصميم الغرب بحكمة وبسرعة. فهي تملك القدرة على تعزيز الدفاع في أوكرانيا ضد الهجوم الروسي المفاجئ، ولكنها ليست كبيرة بما يكفي لتهديد السلامة الإقليمية لروسيا.

أي من هذه المبادرات من شأنها أن يزيد من صعوبات طموحات بوتين بشأن أوكرانيا، ويمكن أن يجري تنفيذها على المدى القريب. لكن أيا منها لا يستطيع أن يشكل تهديدا لروسيا. وعلى الرغم من ذلك ستعدل الخط الأحمر، الذي رسمه التحالف عن طريق الخطأ، وستؤكد للأوكرانيين أنهم ليسوا بمفردهم، وستجبر موسكو على إعادة النظر في إمكانية نشوب صراع عسكري أكثر تكلفة بكثير، ولفترات طويلة. وعدم اتخاذ الغرب موقفا ثابتا، سيشجع بوتين على التحرك بقوة مرة أخرى، والتوغل بشكل أعمق في أوكرانيا، والقيام بمحاولة أخرى للاستيلاء على جورجيا، وتوسيع الاحتلال الروسي لأراضي مولدوفا أو الاستيلاء على المناطق الأخرى، التي كانت ذات يوم جزءا من الاتحاد السوفياتي.

رد حلف الناتو على هذه الأزمة أمر بالغ الأهمية لكل من الأمن في أوكرانيا، ومستقبل الحلف على المدى الطويل. وقمة الناتو المزمع عقدها في سبتمبر (أيلول)، ينبغي أن تركز على طريقة الحلف في التقدم نحو عالم جديد. ولكن ما سيفعله لمساعدة أوكرانيا اليوم وخلال الأسابيع المقبلة، سيكون له تأثير أكثر عمقا على مستقبل الحلف، والأمن عبر الأطلسي.

* نائب لمساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون أوروبا والناتو من 2001 - 2005

* خدمة «واشنطن بوست»