عيش.. «حنية».. عدالة اجتماعية!

TT

بعد فترة غير قليلة من الترقب والانتظار السياسي أعلن وزير الدفاع المصري المشير السيسي استقالته من منصبه وخلعه للبذلة العسكرية، وصرح بأنه سيتقدم للترشح لمنصب رئيس جمهورية مصر العربية في الانتخابات القادمة. لم يكن الخبر في حد ذاته مفاجئا، فالتوقعات كانت تسير في هذا الاتجاه منذ فترة ليست بالقصيرة، ومن الواضح أن «الأرضية» كان يتم إعدادها لأجل إطلاق القرار بشكل مدروس وليس بشكل عاطفي وعشوائي.

طموحات المصريين المعلقة في شخص السيسي هي أقرب للخيال منها إلى الواقع.. فحجم الأماني والآمال الملقاة على عاتقه يجعل مهمته ليست فقط صعبة ولكن أقرب إلى الاستحالة. شريحة غير بسيطة من المصريين يصورون عبد الفتاح السيسي على أنه خليط و«كوكتيل» من خالد بن الوليد وصلاح الدين الأيوبي وبيل غيتس ورشدي أباظة وعمر الشريف وحسين رياض وميسي ورونالدو في شخص واحد، فهو قادر على حل كل المشاكل التي تواجه البلاد، سواء أكانت سياسية أم أمنية أم عسكرية أم اقتصادية. ولعل المشكلة الأكبر التي ستواجه عبد الفتاح السيسي هي مشكلة «إدارة توقعات مؤيديه»، فهم بأمسّ الحاجة للتطمين. والمصريون بحكم كونهم شعبا عاطفيا جدا ويحتاج لجرعات من الأمل والاطمئنان بشكل مكثف، فهذا ما كان يركز عليه عبد الفتاح السيسي في رسائله الموجهة للشعب المصري التي كان يطلقها بين الحين والآخر في تعليقاته وكلماته وتصريحاته التي كانت تتم في مناسبات مختلفة ومتنوعة.

«حجم التوقعات» هو أكبر عقبة أمام خط وطرح السيسي السياسي اليوم، مع عدم الإقلال أبدا من الخطر الأمني المتزايد جراء العمليات الإرهابية في أكثر من موقع بمصر والتي تستهدف القطاعات العسكرية بمختلف منسوبيها في الداخلية وكذلك في وزارة الدفاع، وكذلك عدم الإقلال من فداحة وخطورة الوضع الاقتصادي الدقيق جدا الذي تمر به مصر، والمتمثل في نسب مخيفة في معدلات البطالة بين الشباب من الجنسين، إضافة إلى الانخفاض المرعب في معدلات السياح القادمين إلى مصر، مما يؤثر على نمو قطاع يعتبر من أهم القطاعات الاقتصادية الحيوية بالنسبة لمصر.

يخشى محبو مصر أن يكون الحل العاطفي المنشود في مصر مستوحى من إلهام الأرشيف القديم الذي فيه «تصوير» و«تشبيه» له بأنه النسخة العصرية لجمال عبد الناصر الرئيس المصري الراحل. وهذه في حد ذاتها كارثة مرعبة سواء أكان للمصريين أم للعرب المحبين لمصر، فعبد الناصر حقبة مثيرة للجدل حصل فيها اعتداء على أرزاق الناس تحت عنوان «التأميم»، وحصلت مصر على عداوات الجيران سواء أكان ذلك في سوريا أم في الأردن أم في العراق أم في دول الخليج واليمن، فلم يسلم أحد من «التخبط الناصري» ونهم تصدير الثورة، حتى «طارت» سيناء والضفة الغربية وغزة والجولان والقدس بسبب رعونة التخطيط وغرور الزعامة. يتمنى محبو مصر أن يطلّق الإرث القديم تماما «بناصره»، فهو بحاجة تامة لأن يفتح صفحة جديدة مع الحاضر ومع المستقبل لا أن يجدد العهد مع الماضي الذي لا تزال تدفع مصر بسببه ثمنا باهظا ومكلفا جدا حتى اليوم.

عقلية الأمس لن تستطيع إصلاح مشاكل اليوم، وحتما لن تستطيع تخيل وتأمل المستقبل. مصر بها العديد من الكفاءات البشرية الناجحة في مجالات عديدة تحتاج للفرصة العادلة والمناخ السوي لتقدم إسهاماتها بجدية، ولكن الإحباط الحقيقي أن يكون الحل القادم لمصر من عقليات كانت جزءا من المشكلة، وبالتالي من غير الممكن الاعتقاد ولو للحظة أنها سوف تكون جزءا من الحل.. هذه سنّة الحياة ولا شك.

وإذا كانت ثورة الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) انطلقت تحت شعار «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية» الذي رفعه المتظاهرون والثوار في الميادين وقتها، فإن عبد الفتاح السيسي بأسلوبه يرى أن الشعار اليوم يجب أن يكون «عيش.. (حنية).. عدالة اجتماعية»، فهو في طرحه «الحنون» والمباشر يخاطب قلوب المصريين كما يخاطب عقولهم، وكل الأمل أن تكون أدوات الحل في أيدي فريق ينتمي لليوم وللغد وليس من غياهب الأمس المليء بالحزن والمآسي.