متى تنجح جهود ضمان سلامة المرضى؟

TT

مراحل العملية الجراحية وما بعدها، هي أحد الهموم الطبية التي تعمل الأوساط الطبية جاهدة لإيجاد حلول تبعد عن المرضى شبح الإصابة بالمضاعفات الميكروبية وحصول الأخطاء الجراحية ومعاناة المرضى من تداعياتها والتعرض لها وغيرها. وكانت إحصائيات منظمة الصحة العالمية قد لاحظت أن نحو 50 في المائة من الأحداث السلبية التي قد يتعرض لها المرضى خلال وجودهم بالمستشفيات هي ذات علاقة بالخضوع للعمليات الجراحية.

وللحد من الأضرار التي قد تلحق بالمرضى نتيجة للخضوع للعمليات الجراحية، وضعت منظمة الصحة العالمية ما يعرف عالميا في الأوساط الطبية بـ«قائمة مأمونية الجراحة» Surgical Safety Checklist، وهي قائمة تفقدية تشتمل على ضرورة مراجعة الفريق الجراحي، من أطباء وممرضين وفنيين، لعناصر محددة ترفع من مستوى مأمونية إجراء العملية الجراحية في مراحلها الثلاث. ومعلوم أن أي عملية جراحية تتكون من ثلاث مراحل، المرحلة الأولى هي مرحلة ما قبل التخدير أي من حين دخول المريض إلى جناح غرف العمليات إلى ما قبل بدء الجراح القيام بالعملية الجراحية الفعلية، والمرحلة الثانية هي مرحلة العملية الجراحية الفعلية والتي تبدأ من بدء قيام الجراح بشق الجلد، والمرحلة الثالثة هي مرحلة ما قبل مغادرة المريض لغرفة العمليات، أي ما بعد فراغ الجراح من خطوات العملية الجراحية الفعلية وقبل مغادرة المريض لغرفة العمليات.

وكانت دراسة سابقة للباحثين من جامعة تيلين بنيو أولينز قد لاحظت أن معرفة المريض بوجود هذه القائمة التفقدية وضرورة اتباع الفريق الجراحي لعناصرها هو عامل يرفع بشكل واضح من مستوى التزام الفرق الجراحي بإتمام إجرائها للمريض الذي يخضع لعملية جراحية، وهو ما تم عرضه ضمن فعاليات مؤتمر المجمع الأميركي للتخدير في أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي وتم عرضها في حينه بـ«الشرق الأوسط».

وضمن عدد 13 مارس (آذار) من مجلة «نيو إنغلاند الطبية New England Journal of Medicine»، عرض الباحثون من جامعة تورنتو ما يبدو أنه إثبات على عدم جدوى اتباع هذه القائمة التفقدية لمراحل إجراء العمليات الجراحية. ولاحظ الباحثون الكنديون في نتائج دراستهم أن اهتمام الفريق الجراحي بتنفيذ عناصر هذه القائمة التفقدية لم يقلل بشكل واضح من وفيات المرضى ولا من مضاعفات العمليات الجراحية. وعلى الرغم من اعتراف الباحثين أن القائمة التفقدية لمأمونية العملية الجراحية هي وسيلة قوية لمنع حصول الأخطاء الطبية والمضاعفات المرضية جراء الخضوع للعمليات الجراحية، وعلى الرغم أيضا من إشارتهم إلى وجود دراسات سابقة قيمت مدى الاستفادة منها وأنها أثبتت جدواها في تقليل تلك الأمور السلبية بنسبة 50 في المائة إلا أنهم ذكروا أن نتائجهم تشير لهم ما توصلوا إليه من أنها غير مجدية بشكل واضح. وبمراجعة الدراسة وقراءتها بطريقة متأنية، نلحظ أيضا ما ذكروه من أن المشكلة لديهم كانت في التطبيق والدافع للحرص على الالتزام بها، وهو ما يعيد للأذهان ضرورة التنبه إلى أن التطوير في أداء المستشفيات لضمان سلامة المرضى يتطلب أكثر من مجرد حض وإلزام الطاقم الطبي باتباع وسائل مقننة ومعدة سلفا لضمان سلامة المرضى. وللتوضيح، كما ذكر الباحثون في مناقشتهم وتعليقهم على نتائج الدراسة، هو أن من المهم تفهيم الطاقم الطبي أهمية المشكلة وإشراكهم وتنشيط مشاركتهم في العمل على إيجاد حلول لحماية المريض وضمان سلامته، وتقديم المقترحات لهم. أما مجرد وضع القائمة والطلب من العاملين الطبيين تنفيذ عناصرها فإنه أمر لا يكفي ولا يؤدي إلى النتائج المطلوبة، بل المطلوب استخدام القائمة ضمن وسائل عدة أخرى تعبر عن الاهتمام بنشر ثقافة الحرص على سلامة المريض بين جميع العالمين على خدمته ومعالجته في المستشفى.

وعلق البروفسور لوسيان لييب، المتخصص في وضع السياسات الطبية من كلية هارفارد للصحة العامة والذي قدم التعليق العلمي على الدراسة في المجلة الطبية المذكورة، بالقول: «القائمة التفقدية لمأمونة العملية الجراحية هي وسيلة قوية لضمان سلامة المريض ومنع حصول إصابته بالمضاعفات جراء الخضوع للعملية الجراحية، ولكنها تفيد حينما يتم تطبيقها بطريقة صحيحة». وأضاف: «تطبيق إجراء القائمة التفقدية ليس أمرا سهلا، أي على العاملين في الفريق الجراحي، ويتطلب الأمر العمل على الكثير من التغيير في طريقة عمل الفريق الجراحي الذي تعود عليه لعشرات السنين، وهو أمر من الصعب فعله، ويتطلب الكثير من الوقت». واستطرد بالقول: «القائمة وضعتها منظمة الصحة العالمية كمجموعة من الإرشادات وكنموذج، وعلى المستشفيات تطويرها بما يتناسب مع ظروفها وطريقة العمل فيها، وحين قيام كل مستشفى بذلك الأمر فإن ذلك ينشئ قائمة تفقدية تتبنى روح عمل الفريق ويشارك العاملون، من أطباء وممرضين وفنيين، في صياغتها وفي كيفية جعلها قائمة عملية يسهل تطبيقها وتسهل الاستفادة منها ويرتفع مستوى الاهتمام بتنفيذها، وهو ما سيؤدي إلى حدوث فرق واضح في نتائجها على سلامة المرضى وتقليل احتمالات إصابتهم بالمضاعفات». وقال: «لا نزال نبحث عن كيفية ضمان سلامة المرضى، وهو ما يتطلب تنشيط ثقافة السلامة بين العاملين الطبيين وبدعم من إدارات المستشفيات».

والأمر الآخر الذي تمت ملاحظته على الدراسة وكيفية إجرائها، أن الباحثين قارنوا فيما بين فترة ثلاثة أشهر سابقة للبدء بالتنفيذ الإلزامي للقائمة وفترة ثلاثة أشهر تالية للبدء في تطبيق تلك القائمة. وهي فترة قصيرة جدا لملاحظة أي تأثيرات واضحة، وخصوصا عند تطبيق وسائل جديدة تتطلب تعاونا وفهما من العاملين في الأوساط الطبية بالمستشفيات.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]