محادثات حاسمة

TT

إنها رحلة شاقة على حافة الشكوك المتزايدة عند الحلفاء الأوروبيين والخليجيين، لكن ما سمعه باراك أوباما في محطاته الأوروبية، من اعتراض على تقاعس واشنطن وترددها في مواجهة الانقضاض الروسي على القرم، لا يوازي حرفا في أبجدية الاعتراض الذي يسمعه من خادم الحرمين الشريفين والمسؤولين السعوديين.

يوم الأحد الماضي قالت سوزان رايس إن الموضوع المشترك في جولة أوباما هو تأكيد الأهمية الأساسية لتحالفاتنا وشراكاتنا، ولكن ها هو بوتين يندفع في أعماله التي تجاوزت القرم إلى الأراضي الأوكرانية وواشنطن لا ترد بأكثر من التصريحات وبيانات الاستنكار، وعشية وصول أوباما إلى الرياض قالت رايس إنه سيركز على تأكيد التزامه بأمن الخليج وتثمين الشراكة التاريخية والعلاقة الثنائية المهمة مع السعودية، وإيجاد طرق لتعزيزها وإبراز التزام أميركا الأمني تجاه شركائها وحلفائها في المنطقة، لكن هذا التأكيد يحتاج إلى إثباتات ومبادرات عملية تتجاوز الوعود والتطمينات، وخصوصا بعد المراجعة الشاملة لسياسة أميركا الخارجية التي كانت كل الأجهزة السياسية والاستخبارية والعسكرية بدأتها منذ أشهر، وقيل قبل يومين إنها لم تؤد إلى أي تغيير!

بدأت هذه المراجعة بعدما تصاعدت موجة من الانتقادات الدولية والعربية لسياسة البيت الأبيض، الذي بدا وكأنه استعار الشعار اللبناني «النأي بالنفس» ليطبقه مستقيلا من مسؤولياته السياسية والأخلاقية ومتحللا من مستلزمات التوازنات الاستراتيجية التي تفرضها قواعد تحالفاته، وخصوصا التحالف التاريخي مع السعودية، الذي بدأ في فبراير (شباط) من عام 1945 عندما اجتمع الملك عبد العزيز آل سعود مع الرئيس فرانكلين روزفلت على ظهر السفينة كوينسي.

في بداية فبراير الماضي أعلن البيت الأبيض عن زيارة أوباما إلى الرياض وقال جاي كارني «يسر الرئيس أن يناقش مع الملك عبد الله العلاقات الدائمة والاستراتيجية بين الولايات المتحدة والسعودية، إضافة إلى تعاوننا لتطوير المصالح المشتركة المرتبطة بأمن الخليج والمنطقة والسلام في الشرق الأوسط ومكافحة التطرف والعنف وملفات أخرى».

وتعليقا على الزيارة كتبت صحيفة «التايمز» أن «أوباما يريد أن يطمئن حلفاءه السعوديين إلى أنه لن يهجرهم»، لكن منذ ذلك الحين إلى الآن بات هو أيضا في حاجة إلى الاطمئنان في ضوء المؤشرات المستجدة، وخصوصا بعد الجولة التي قام بها ولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز إلى الهند وباكستان واليابان والصين عشية وصوله إلى الرياض.

تؤكد صحيفة «وورلد تريبيون» أن زيارة أوباما إلى الرياض، جاءت مباشرة بعد تقويم هو الأول من نوعه رفعته لجنة أجهزة الاستخبارات (عددها 16 جهازا) إلى الكونغرس محذرة من احتمال فقدان أميركا لحلفائها العرب، وأن دول مجلس التعاون الخليجي قد تكون أول من يبتعد عن أميركا، نتيجة وجود اعتراض واسع على نهج التقارب الذي تتبعه واشنطن مع إيران، والتقاعس المريب عن دعم الشعب السوري الذي تعرض حتى للقصف بالسلاح الكيميائي.

في ظل هذا حصل ما يشبه الانقسام داخل الإدارة الأميركية حيث ارتفعت أصوات تقول «لماذا نبتعد عن حلفائنا الخليجيين المضمونين لمصلحة الاقتراب من الإيرانيين غير المضمونين»، بينما كان جيمس كلابر مدير الاستخبارات يحذر بدوره من أن عدم رضا الحلفاء في الخليج عن سياسات التقارب مع إيران، والتغاضي عن الأزمة السورية والاندفاع في دعم «الإخوان المسلمين» في مصر، قد تدفع دول الخليج إلى خفض مستوى التعاون مع أميركا بشأن القضايا الإقليمية والتصرف من جانب واحد بما يهدد المصالح الأميركية العميقة في تلك المنطقة الاستراتيجية!

على أساس كل هذا تتركز المباحثات بين خادم الحرمين الشريفين وأوباما على خمسة ملفات أساسية وهي:

* الملف الإيراني الذي يفرض في الجانب الأميركي معرفة الأخطار الناجمة عن سياسات التدخل الإيرانية في الإقليم، والأبعاد التي ترمي إليها عبر إشاعة الفوضى والاضطراب، إذ ليس كافيا الاهتمام بمعالجة الملف النووي في ظل سياسات إشاعة الفوضى والمشاركة في الحرب السورية!

* الملف السوري حيث ليس من المقبول ولا من المعقول استمرار واشنطن في التعامي عن تدمير سوريا بمشاركة سياسية من روسيا وعسكرية من إيران، ورفض لتسليح المعارضة المعتدلة وهو ما يزيد من التطرف والمتطرفين.

* الملف الفلسطيني الذي وصل إلى طريق مسدود وأسقط كل وعود أوباما بالعمل لإقامة الدولة الفلسطينية، بسبب الصلف الإسرائيلي واتساع حركة الاستيطان والتمسك بيهودية إسرائيل.

* الملف المصري حيث من غير المقبول استمرار النفخ في رماد الإخوان على خلفية نظريات الديمقراطية بعدما خرج نصف الشعب المصري ضد تجربتهم الكارثية في الحكم.