القمة العربية: برافو الكويت

TT

برافو كويت، تلخص نجاح الكويت، ليس فقط في إعداد مؤتمر عالمي حشد الزعماء، بل أيضا في العبور بسفينة قمة الجامعة العربية الخامسة والعشرين بحرا هائجا كمثلث برمودا وبحارة السفينة في شجار، خاصة وصغارهم يهددون بالتوجه نحو مياه لا خرائط ملاحية تعرف لها.

الرابع من المؤتمرات العالمية (وبينهم، كساندويتش، مؤتمر المانحين لسوريا) التي نظمها الكويتيون في أربعة أشهر. القمة العربية الأفريقية بأعداد قياسية لدعم التعاون بين المنطقة العربية والاتحاد الأفريقي (تسعة بلدان أعضاء في المنظمتين) بمبادرة من أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فقمتا مجلس التعاون الخليجي في ديسمبر (كانون الأول)، ثم القمة العربية.

شعار القمة «التضامن من أجل مستقبل أفضل»، وفي الأفق غيوم عاصفة الانقسام، بأضرار هي الأكبر منذ قمة القاهرة الطارئة في أغسطس 1990 لبحث العدوان البعثي على الكويت. نصف بلدان مجلس التعاون الخليجي استدعت سفراءها من بلد واحد.

تناقصت بمرور السنين ثقة الناس في مؤتمرات الجامعة من الشعارات السياسية ورفع توصيات (عادة تفوق قدرة العرب والجامعة وإمكانياتها على وضعها إطار التنفيذ)، وكانت المخاوف هذه المرة الانتهاء إلى خلاف مدمر.

وبغذاء عقلي من نظرية المؤامرة فسر أكثر المعلقين الاقتراحات الطليعية التي قدمها الدكتور نبيل العربي، الأمين العام للجامعة، بالتركيز على الاقتصاد والتعاون الاقتصادي، بأنها هروب من واقع سياسي حول الأزمات إلى طموحات اقتصادية.

وعلى أرض الواقع مسألة إدراج هذا الخلاف على أجندة القمة، أو تأجيله إلى بحث مجلس التعاون الخليجي، أحسن الجميع بتركها لحكمة وتقدير الشيخ صباح الأحمد أمير الكويت، الذي يعد من أكثر رجال الدولة العرب خبرة ودبلوماسية.

تعقد الأمر تطلب حكمة وحساسية؛ فالقرارات تتخذ بالإجماع.

والخلاف حول الأمن القومي لكل دولة، وضرورة تعامل الجامعة مع ظاهرة الإرهاب، يتجاوزان بلدان التعاون الخليجي.

خلاف حول معاهدات أمنية مشتركة، والتعامل مع الإرهاب، ويقال إن هناك أدلة جمعتها مخابرات وأجهزة أمن عربية تتعلق بدعم بلدان موقعة على ميثاق الجامعة ومجلس التعاون لجماعات إرهابية، أي تجاوز الأمر، إقليميا، مجلس التعاون ليشمل بلدانا خارج المجلس.

بلدان يسقط مواطنوها ضحايا الإرهاب كاليمن والعراق ومصر، التي تخوض - كقدرها التاريخي - حربا على إرهاب يستهدف العرب والمسلمين.

البيان الختامي، الذي صيغ بخبرة دبلوماسية تراعي هذه التناقضات، تضمن فقرة مكافحة الإرهاب بتوصيات تحذر من دعم جماعات الإرهاب بأي شكل من الأشكال، سواء بالمال أو المعدات أو الدعم اللوجيستي أو السياسي، أو تهيئة المناخ الفكري لآيديولوجيا تبرر الإرهاب بإعادة تغليفه، أو استضافة وإيواء زعماء هذه الجماعات وفقهائهم ومنظريهم الآيديولوجيين. ورغم عدم ذكرها بالأسماء، فالتوصية واضحة بعدم تمويل الفضائيات النازعة للإثارة كمنابر تستضيف الإرهابيين وتسميهم مجاهدين أو معارضين لشعوبهم.

فالمادة الثامنة من ميثاق الجامعة العربية الموقع في أنشاص عام 1945 (وهي مواد استمر محامو الجامعة في دراستها لأكثر من عام كامل مثلما أوضح الدكتور العربي) توجه الدول الأعضاء لعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبقية الموقعين على الميثاق بأي سبيل قد تؤثر على النظام السياسي أو تحاول تغييره.

ولذا فدعم جماعة كالإخوان أو الحوثيين في اليمن، أو جماعات في العراق، هو خرق للمادة الثامنة من ميثاق الجامعة..

ورغم خلافات رجح معظم الصحافيين الاحتمالات بتأثيرها السلبي على صياغة البيان الختامي، فإن الدبلوماسية الكويتية نجحت في صياغة بيان يدين الإرهاب ويوصي بعزله وعدم دعم الجماعات الإرهابية بالتمويل، وتجفيف المنابع الفكرية، وإيواء فلاسفة الإرهاب وفقهائه ومبرريه، وتوصية بعدم إتاحة منابر الدعاية للإرهابيين في إشارة واضحة لقنوات تلفزيونات التحريض والمغالطة العابرة للحدود.

كلمات الجلسة الختامية فرصة لتوثيق مواقف مبدئية تضع أصحابها في اختبار أمام الشعوب وأمام التاريخ لأجيال قادمة.

ورغم توصيف البيان الختامي للإرهاب بوضوح، والتوصية بعدم المغالطة بتسمية الجماعات الإرهابية كالإخوان مجرد «معارضة».. فإن البعض، خاصة ناقصي الخبرة وحديثي العهد بالسياسات الإقليمية والعالمية، كابر بعناد في تسميتهم «معارضة».

أقوى ثلاثة بيانات في هذا الشأن جاءت من العراق، والمملكة العربية السعودية ومصر. أوضح البيان العراقي بقوة أن البلاد ليس فيها سجناء من المعارضة وإنما متهمون تحت بنود القانون الجنائي لارتكابهم القتل والعنف عن طريق الإرهاب.

ولي عهد المملكة الأمير سلمان بن عبد العزيز كانت كلمته قوية في الموقف الثابت الرائد للسعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين، من دعم مصر والمشاركة الفعلية في الحرب على الإرهاب، وبحكمته وخبرته الطويلة في الفرق بين المعارضة والإرهاب. كلمة رئيس الوفد المصري (رئيس الدولة المؤقت) المستشار عدلي منصور كانت بلغة القضاء والقانون مقتبسا من المادة الثامنة من ميثاق الجامعة العربية بالنسبة لدول أعضاء تمول الجماعة بإعادة تغليفها «كمعارضة».

على المستوى الدولي تستحق الاتصالات الدبلوماسية الكويتية التهنئة بتوقيت وصول برقية الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، يسجل فيها تأييد شعبه العظيم بلا شروط لتوصيات قمة الكويت ويعرض كافة المساعدات والتعاون؛ وبرقية بالمعنى نفسه من الزعيم الصيني تشي جينبيغ.. في الوقت نفسه الذي اجتمع فيه قادة الغرب في هولندا لاتخاذ مواقف ضد روسيا، بينما مواقفهم من الشعب المصري في حربه على الإرهاب غير واضحة وغير مطمئنة للمصريين والعرب.

التضامن الأكثر وضوحا كان مع مصر، وتمرير دولة الإمارات دورها في استضافة القمة القادمة، كان إشارة لا تخطئها العين لوقوف العرب كتفا إلى كتف مع المصريين في حربهم على الإرهاب؛ وإشارة إلى أن مصر «الأرضية» مستقرة؛ لا «مصر الفضائيات» التي تزيف صور تقارير في فضائيات التضليل..

ورغم غياب قرارات وتوصيات تترجم إلى قروش زيادة في جيب المواطن (كتوحيد تعريفة التليفون الجوال تحت اتفاقية المواصلات العربية، فلا «تخرب» شركات التليفون بيت من يستخدم تليفونه تجوالا roaming في بلد مجاور).. فإن القمة نجحت في المضي للأمام، ونتطلع لحكمة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد ودبلوماسية بلاده في توصيل السفينة إلى القاهرة في القمة السادسة والعشرين..

وبرافو يا كويت.