حول الانتخابات الرئاسية في أفغانستان

TT

تنطلق العملية الانتخابية في أفغانستان في الخامس من أبريل (نيسان) المقبل لاختيار رئيس جديد للبلاد. وبينما يزداد نشاط مرشحي الرئاسة في الأيام القليلة المتبقية على انطلاق الاستحقاق الانتخابي، برزت قضية الأمن كأكثر عناصر السباق إلى المنصب الرئاسي إثارة للقلق. ويبدو الهاجس الأمني هو العامل الرئيسي الذي يهدد العملية الانتخابية، ليس فقط بالنسبة لمرشحي الرئاسة ومناصريهم، بل أيضا بالنسبة للصحافيين والمراقبين الدوليين، الذين جاءوا إلى أفغانستان لمراقبة ذلك الاستحقاق المهم. وفي الوقت نفسه، تصاعدت هجمات حركة طالبان بغية تفجير العملية الانتخابية، حسب قولهم.

ويرفض الرئيس حميد كرزاي، الذي يعاني حاليا من أوهام المؤامرات الخارجية وتدخل أجهزة الاستخبارات الأجنبية في شؤون بلاده، فكرة تورط حركة طالبان في أكثر الهجمات دموية ضد الصحافيين والعاملين الأجانب في أفغانستان. وبجانب نظرية المؤامرة وعدم وجود دليل يكشف هوية المسؤولين عن الهجمات الأخيرة في كابل، لا سيما الهجوم الذي استهدف فندق سيرينا الذي أسفر عن مقتل مراسل أفغاني وزوجته وطفليهما، يذهب البعض إلى أن اختيار الأهداف، التي ينفذ ضدها الهجمات، لا يجري بطريقة عشوائية. ويعتقد معارضو كرزاي أن منفذي الهجمات يسعون إلى إرسال رسالة واضحة إلى الصحافيين، الذين يقومون بتغطية الانتخابات الرئاسية، مفادها أنه ينبغي عليهم مغادرة أفغانستان، وإلا فسيواجهون مصير الصحافي الأفغاني.

وخلال الأيام القليلة الماضية، قتل صحافي سويدي رميا بالرصاص في العاصمة كابل، ثم لقي الصحافي الأفغاني سردار أحمد وزوجته وابنتاه مصرعهم، بينما أصيب طفلهما الثالث بست رصاصات في جسده ويرقد في حالة حرجة في المستشفى. وبالطبع في ظل هذا المشهد الجنوني غير الواضح، تنبري حركة طالبان دائما لتعلن مسؤوليتها عن تنفيذ مثل تلك الجرائم بغض النظر عن الزمان والمكان. لكن السؤال المهم: هل ينبغي علينا أن نصدق دائما أنهم هم الذين يقفون وراء تلك الجرائم؟ وإذا لم يكونوا هم الذين ينفذون تلك الهجمات، فمن غيرهم يقف وراء تلك الأعمال الوحشية غير الإنسانية؟

وكان سردار أحمد، أحد كبار مراسلي وكالة الصحافة الفرنسية في أفغانستان، قد حضر إلى فندق سيرينا برفقة زوجته وأبنائه عشية السنة الفارسية الجديدة (عيد النوروز) يوم العشرين من مارس (آذار) لتناول عشاء عائلي هادئ، غير أنه للأسف، قتل أحمد وزوجته واثنان من أبنائه، بالإضافة إلى خمسة أجانب كانوا يتناولون عشاءهم في الفندق.

وقعت عيناي على صورة تظهر مسرح الجريمة المفجعة، تبدو فيها إحدى ابنتي سردار أحمد، نيلوفار (ست سنوات)، وهي غارقة في بركة من الدماء وتمسك إحدى يديها بيد والدتها. وحسب بيان رسمي صدر عن وزارة الداخلية الأفغانية، فقد تعرضت نيلوفار لإطلاق الرصاص من مسافة قريبة. وعليه فإنه إذا لم نسمِّ ذلك عملية إعدام، فأي صفة يمكننا أن نطلقها على ما حدث إذن؟

ووفقا للبيان الصادر عن وزارة الداخلية، فقد استطاع أربعة مسلحين في سن المراهقة تهريب مسدسات صغيرة خلال عدة نقاط تفتيش في ذلك الفندق، الذي يقع في قلب كابل ويتمتع بترتيبات أمنية مشددة. لم يقتل أولئك المسلحون صحافيا أفغانيا - يحظى باحترام كبير - وزوجته وأبناءه فقط، بل قتلوا أربعة أجانب آخرين، من بينهم أحد مراقبي الانتخابات الدوليين، الذي كان يقيم بالفندق.

ونتيجة لذلك الهجوم، قامت اثنتان من أصل ثلاث منظمات دولية لمراقبة الانتخابات، كانتا تخططان لمراقبة انتخابات الرئاسة الأفغانية، بسحب موظفيها من أفغانستان.

وعليه فقد حدث ما كان يريده الرئيس كرزاي - سواء عن طريق الصدفة أو عن قصد - وهو خروج جميع الأجانب من بلاده قبيل الاستحقاق الانتخابي المهم! ويثير انسحاب منظمات مراقبة الانتخابات الدولية والحصار المضروب حول وسائل الإعلام الكثير من التساؤلات والشكوك حول نزاهة العملية الانتخابية، التي ستتمخض عن خليفة الرئيس حميد كرزاي.

وقد عبر بعض مرشحي الرئاسة بالفعل عن مخاوفهم من حدوث تزوير ممنهج لصالح المرشح الذي يحظى بتأييد كرزاي، أو حدوث عمليات تفجير لتعطيل العملية الانتخابية، وهو ما يؤدي في هذه الحالة إلى بقاء كرزاي في السلطة لبعض الوقت.

وقد وقع أحدث هجوم يوم الأربعاء الماضي في كابل عندما قام اثنان من الانتحاريين بتفجير نفسيهما خارج أحد مكاتب المفوضية المستقلة للانتخابات. وقد فتح ذلك التفجير الانتحاري الطريق أمام مسلحين للدخول إلى مقر المفوضية، حيث دارت معركة - استغرقت ثلاث ساعات - بين هؤلاء المسلحين وقوات الشرطة أسفرت عن مقتل ثلاثة مدنيين واثنين من رجال الشرطة وإصابة ثمانية أشخاص على الأقل. غير أن قوات الشرطة تمكنت في نهاية المطاف من قتل منفذي الهجوم وتحرير 70 موظفا كانوا محتجزين داخل مبنى المفوضية.

ومع زيادة عدد الهجمات والأهداف التي يجري اختيارها في حقيقة الأمر، بات من الصعب التنبؤ بما سوف يحدث في أفغانستان خلال الأيام القليلة التي تسبق الانتخابات. ويبدو الهدف الرئيس من وراء تلك الهجمات هو بث الرعب في قلوب المواطنين لثنيهم عن المشاركة في الإدلاء بأصواتهم خلال عملية التصويت على اختيار رئيس أفغانستان الجديد. المشكلة الأخرى تتمثل في إحجام المراقبين الدوليين عن مراقبة سير عملية الاقتراع ومدى نزاهتها.

لم تجر الانتخابات الرئاسية الماضية بشكل جيد، حيث تكشف الكثير من الحقائق والأدلة حدوث عمليات تزوير واسعة لصالح الرئيس حميد كرزاي. لم تتقبل الولايات المتحدة والقوى الكبرى، التي أنفقت الكثير على تنظيم الانتخابات ومراقبتها، نتائج الانتخابات، التي كان من المقرر أن تشهد جولة إعادة بين كرزاي والدكتور عبد الله عبد الله، الذي حل في المرتبة الثانية من حيث عدد الأصوات بعد كرزاي. غير أنه لم يجر تنظيم جولة الإعادة لأن الأميركيين وجدوا أن ذلك سيكون صعبا ومكلفا للغاية، وعليه فقد طلبوا من عبد الله أن يتقبل النتيجة من أجل مصلحة البلاد. ويخوض عبد الله الانتخابات الرئاسية، التي ستجري في الخامس من أبريل المقبل، وتشير استطلاعات الرأي إلى تقدمه على باقي المرشحين.

وفي حال لم يحصل أي من المرشحين على نسبة 50 في المائة من عدد الأصوات، فإن ذلك سيستلزم إجراء جولة إعادة بين المرشحين الأكثر حصولا على أصوات الناخبين في الجولة الأولى. وهذا يعني تمديد أجل العملية الانتخابية، مما يعني توقع مزيد من أعمال العنف. هل هذا ما تريده حركة طالبان؟

في شوارع كابل، يمكننا أن نرى المحتجين يرفعون لافتات كتب عليها: «من فضلك يا سيادة الرئيس كرزاي.. اطلب من إخوانك التوقف عن قتلنا»!