لماذا يثق الإخوان بفوز السيسي؟

TT

جواب السؤال محل عنوان هذا المقال يوضح موقف جماعة الإخوان المسلمين من قرار عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع سابقا، ترشيح نفسه لرئاسة مصر.

الإخوان هم من صنعوا ظاهرة السيسي، هم من اضطروا الملايين للالتفاف حوله يطالبونه بعزل الرئيس السابق محمد مرسي نجدة لهم، فاكتسب ثقة الناس ومحبتهم، هم من جعلوا منه بطلا وطنيا مغوارا، وحاميا باسلا لحاضر ومستقبل مصر.

لماذا يثق الإخوان بأنه سيطير بالرئاسة؟ لأنهم يعلمون ما صنعت أيديهم، فشلوا فشلا ذريعا في إدارة البلاد، وتركوها على حافة هاوية، أخافوا الناس وأقلقوهم على مستقبل بلادهم وأبنائهم، حصلوا على الرئاسة واستولوا في معيتها على الدستور، ضيقوا على القضاة، أطلقوا الإرهابيين من السجون فاستحلوا سيناء وهددوا أهلها، وضعوا أيديهم على إدارة المحافظات، وجاءوا بحكومة أضعف عضو فيها رئيسها. ومثل أبطال الأفلام توجهت أنظار الناس للمنقذ الذي تولى مقعد الصدارة، حين كان مقود القيادة يرتعش في أيدي الإخوان الذين تسببوا له بشبه إجماع شعبي لا مثيل له، حتى الراحل جمال عبد الناصر لم يحظ بهذه الشعبية قبل أن يتولى الرئاسة، بل كان واحدا من مجموعة ضباط قاموا بثورة قادها اللواء محمد نجيب جاءت به للرئاسة، اختلف مع عبد الناصر فعزله الأخير وحل مكانه، لم تكن هناك كلمة للناس في عزل نجيب ولا إحلال عبد الناصر.

كل المصريين ينظرون إلى السيسي على أنه مرشح، إلا الإخوان؛ يرونه الرئيس المصري المقبل! لديهم قناعة بأنه سيفوز بأغلبية كبيرة في انتخابات نزيهة، وهذا أعجب موقف لمعارضة يمكن أن يشهده العالم. مع ذلك يهددون بأن فترة رئاسته لن تكون مصر فيها مستقرة ولا آمنة، أي أنهم سيقفون ضد رغبة الأغلبية التي ستختاره، وهذا أيضا أمر محير!

حزب النور السلفي الذي بالكاد رأى النور يعمل في النور، وأثبت حتى الآن أنه يلعب سياسة لا بلطجة وعنفا وإحراق مقار حكومية، وتحريضا وفوضى في الشوارع والجامعات. «النور» هو الركن المتبقي من أحزاب الإسلام السياسي الذي يمكن الاعتراف بمكانته ووزنه في الشارع، وذكائه في مجاراة الظروف والظهور بمظهر الحزب الوطني الذي يراعي المصلحة العامة، وهو ما بدا في لجنة الخمسين لإعداد الدستور، حيث كانت له كلمته ورأيه الذي نال الاعتبار من دون المساس بالثوابت الوطنية، متجاوزا إطالة عمل اللجنة مراعاة للفترة الحرجة التي تعيشها البلاد، رغم أن الحزب لا يملك الإرث الاجتماعي والفكري، كما جماعة الإخوان المسلمين التي ظهرت كطالب استذكر دروسه 11 شهرا، وحين حضر إلى قاعة الاختبار أخذه النعاس فنام. حزب النور تخلى عن الإخوان حينما شاهدهم يترنحون أمام الجرف، كسب في ثورة يناير (كانون الثاني)، ولم يخسر في ثورة يونيو (حزيران).

الإخوان غاضبون على السيسي مدعين أنه نفذ انقلابا ضد الشرعية المزعومة، يتمسكون بهذه البكائية منذ شهور، رغم أن الناس فقدت الشهية في نقاشها أو الرد عليها، ولكنهم اليوم يتهمون المشير بأنه قاد الانقلاب ليصل إلى السلطة التي كان يقول بأنه لا يصبو إليها. حسنا، الإخوان أعلنوا إحجامهم عن الترشح للرئاسة في انتخابات 2012. لكنهم قرروا الدفع بمحمد مرسي في ليلة لا قمر فيها، وانتهى حكمه إلى ما انتهى إليه، عليهم إذن أن يرضوا برد الهدية.

إن كان ثمة انقلاب حصل في 30 يونيو 2013. فهو انقلاب بأمر الجماهير، لم يدب السيسي إلى قصر الاتحادية تحت جنح الظلام هو وعسكره، ويقتلعون مرسي من كرسي الرئاسة، لم يفرض قانونه الخاص ولم ينصب نفسه رئيسا، ولولا موقفه الشجاع في ذلك اليوم، لكانت ضباع سيناء التهمت مصر بالإرهاب، ولكانت مصر الدولة المدنية العضو في الأمم المتحدة مائعة الشخصية لا ملامح لها، تتجاذبها الميليشيات وتقودها دول إقليمية كمن يقود الأعمى.

لقد لبّى السيسي نداءات الملايين من المصريين، الذين خرجوا بصوت واحد يطلبون منه إنقاذهم من حكم الإخوان، فلم لا يستجيب لرغبتهم في ترشحه لسباق الرئاسة، وقد نال منهم هذا القدر الكبير من الاحترام والتقدير؟

حتى من يرون أن السيسي أكثر نفعا لمصر وهو قائد القوات المسلحة ووزير الدفاع، لأنه الحارس على بوابة الحكم فيها، عليهم أن ينظروا لها كدولة عادت من الأسر، تتوق للحماية القوية والإرادة الصلبة وليس إلى أي حاكم. والذين يخشون من أن يصبح السيسي كسابقيه؛ يأخذه غرور الزعامة، ومذاق الكرسي، فعليهم أن يتذكروا أن في السجون المصرية اليوم رئيسين مصريين سابقين، أحدهما كان في يوم ما في موقع السيسي.

السيسي مثل حمدين صباحي، مرشح معرض للفوز أو الخسارة في سباق نزيه لقيادة أكبر بلد عربي، وإن كانت حظوظه في الفوز أعلى مثلما يرى الكثيرون، فلأنه حظي بفرصة لإثبات أنه رجل محنك وقوي، وهاتان صفتان يبحث عنهما الناس في شخص رئيسهم. وحتى لو خسر في المنافسة أمام صباحي، فقد انتصر فيما هو أعظم شأنا من إدارة البلاد، وهو شرف إنقاذها من الإرهاب والإفلاس.

إنما لا ينكر أحد أن فوزه، إن حصل، فهو كذر الملح على جراح الإخوان في كل المنطقة؛ من المغرب إلى اليمن مرورا بتركيا، ليس فقط لأنه من قاد نهاية حكمهم وزلزل مستقبلهم السياسي في البلدان العربية والإسلامية، بل لأنهم هم من مهدوا له ليصبح رئيسا. فسبحان من يخرج الحي من الميت.

[email protected]