مجابهة تحديات المستقبل

TT

هل تعيش مملكة البحرين حالة مزمنة أم أزمة؟ سؤال قد تشكل الإجابة عنه ومحاولة تشخيص الوضع، مدخلا سليما لرؤية ما يجري في البحرين بصورة موضوعية بعيدا عن أي أفكار وتحليلات مسبقة. وعليه فإن الأمر يستحق أولا أن نحدد الفارق بين مفهومي الحالة والأزمة، فالأولى واقع متجدد يمر بمراحل متعددة، وهي مثل المرض المزمن الذي لا نهاية منه، ومن ثم فليس لها زمن محدد، أما الأزمة فهي أمر عارض، ينتهي بحل ويكون الهدف هو تجاوزها والتخفيف من أضرارها.

وعند تشخيص الوضع السياسي في البحرين، الذي يلقي بظلاله على الساحة الأمنية، يمكن القول إن هناك صراعا فكريا بين فئتين، الأولى تؤمن بأن البحرين تعيش أزمة والثانية تعتقد بأننا بصدد مرض مزمن، فمن يرون أن البحرين تمر بأزمة لا يؤمنون بالعنف، بل ينظرون إلى طاولة الحوار والوصول إلى حل توافقي مُرْضٍ لكل الأطراف بمعنى أنهم يرون في الحل السياسي سبيلا للخروج من الأزمة، أما من يعتبرون أن البحرين تعيش (حالة مزمنة) قائمة على إقصاء وكسر الطرف الآخر، فإنهم يوهمون شارعهم بأنهم منتصرون في النهاية، ولدى هذا الفريق عقدة اجترار مآسي الماضي والعمل على إسقاطها على الحاضر، ويجري التعامل مع الواقع على أن هناك حرب «أكون أو لا أكون» منتهجين في سبيل ذلك التحريض على العنف وإثارة موجات التضليل والكراهية، التي تتبناها وتمارسها أبواق ومنابر متعددة جغرافيا، ومتفقة آيديولوجيا للدفع باتجاه استمرار العنف في إطار «حالة» تسعى هذه الجهات إلى تكريسها، فلهذه الفئة امتداد فكري وعقائدي يعمل على تعقيد الوضع، وتشكل معا دائرة متكاملة، وتعمل على استدامة التغذية الفكرية القائمة على المظلومية.

وبناء على ذلك، فإننا إزاء تباين أو صراع فكري على الساحة البحرينية، يتعلق بتشخيص ومعالجة الوضع، لكن ما يجب أن نؤكده قولا واحدا أن حكمة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد، في خلق التوازن ونظرته الثاقبة في المضي بالبحرين إلى بر الأمان والسلام، شكلت «ضابطا للأمور» أمام كثير من التجاذبات الفكرية المدعومة مذهبيا، الأمر الذي حمى البحرين وعزز من قدراتها على تجاوز ما مرت به من أحداث، بل وجعلها قادرة على مجابهة مزيد من التحديات في المستقبل.

وبالتوازي مع ذلك، تبدو على الساحة حقيقة مهمة تشكل في جوهرها واقعا تاريخيا وجغرافيا، مفادها أن الأغلبية في البحرين تراهن على الإنسان البحريني السوي، الذي لم يتأثر بهذا التيار أو ذاك ويحاول الخروج من دائرة التجاذبات التي يعمل البعض على تغذيتها حتى يبقى في دائرة الضوء، فالشواهد الظاهرة للعيان وكل من اطلع على ملامح التطور الحضاري لدى الشعب البحريني، يجد الإنسان البحريني قد حقق انطلاقة في مجالات كثيرة ومتنوعة من دون النظر لانتماءاته أو معتقداته، وهذا الأمر ما يراهن عليه الملك حمد، عبر سياساته الشاملة ونهجه المتقدم.

باختصار، فإن الإيمان بالإنسان البحريني وعبر مراحل كثيرة من تاريخه وانفتاحه وتطلعاته المستقبلية، يوجد حالة بحرينية خاصة، عمادها أجيال المستقبل التي تؤمن بوطن يتسع للجميع.

* كاتب بحريني