حماية الرئيس.. خدمة سرية بقيادة ضعيفة

TT

إنها أيام مزعجة للوكالة المكلفة بحماية رئيس الولايات المتحدة.. من بائعات الهوى في كولومبيا إلى الإفراط في تناول الخمور في أمستردام، لذا لا عجب إن نفد صبر الكثيرين من أعضاء الكونغرس، إضافة إلى العملاء السابقين، بشأن خدمة سرية لا يبدو أنها تغيب عن الأخبار مع قضايا سوء سلوك محرجة وكبيرة.

كنت عميلاً سرياً لمدة 21 سنة وقمت بجولتين ضمن عملي في قسم حماية الرئيس وعملت لمدة أربع سنوات في فريق مكافحة الهجوم، وكنت ضمن فريق الرحلات لثلاثة رؤساء. تقاعدت قبل عشر سنوات وليس لي ناقة ولا جمل في معارك الوكالة حالياً. ولا أعتقد أن الإفراط في الشراب هو مشكلة ثقافية في إطار الخدمة السرية (في الواقع الكثير من العملاء لا يتناولون الخمور على الإطلاق، وحتى من يتناولونها يميلون إلى الاعتدال في ذلك). ليست المشكلة في الوكالة الخمور ولا الخلاعة، بل القيادة الضعيفة؛ هناك الكثير من المديرين غير الأكفاء الذين يهمهم لقب وأجر وامتيازات الإدارة، بينما لا يؤدون واجبات القيادة. ليست المشكلة هي وجود عملاء سيئين في الخدمة السرية، لكن وجود قادة سيئين لعملاء الخدمة السرية.

أُنشئت الخدمة السرية في الولايات المتحدة عام 1865 وبدأت في حماية الرئيس عام 1902. وخلال 110 سنوات من الحماية الرئاسية، رافقت الوكالة الرؤساء في رحلات داخلية وخارجية امتدت إلى مئات الآلاف من الأميال، دون أن تجلب على نفسها أي نوع من الاهتمام غير المرغوب فيه. كان ذلك حسب خبرتي لأن العملاء كانوا عادة أذكياء وحاصلين على تدريب جيد وأميركيين وطنيين بدرجة كبيرة، متعصبين تقريباً في تفانيهم لما يوكل إليهم من مهام.

وأوضح التاريخ أنه حتى أفضل الوحدات تؤدي أداء ضعيفاً عندما يكون على رأسها مديرون ضعفاء، وما الخدمة السرية إلا مثال جيد على ذلك. وكان من المزعج جداً في سلسلة أحداث سوء السلوك أنه تورط فيها مشرفون أو رؤساء لفرق العمل. وعلى الرغم من أنه غير مقبول تورط أي عميل في مثل ما حدث في أمستردام أو كولومبيا، فإنه لا يوجد عذر أبداً عندما يتورط في ذلك من هم على قمة المسؤولية. إن أبدى المديرون هفوات متواصلة من سوء التقدير، فكيف ولماذا يتوقع أي شخص من الرتب الأدنى التصرف بصورة أفضل؟

قد لا تعترف الخدمة السرية بذلك، لكن نظام الترقية الخاص بها مصمم أساساً لدفع من يتمتعون بالرضا أكثر نحو المناصب الإدارية، وليس بالضرورة من هم أفضل كفاءة. ومثلما يحدث بشكل أخوي في الكليات تقوم مجموعة صغيرة من العملاء بالتصويت على من يجب ترقيته. وهذه القرارات تعتمد كثيراً على سياسة المكتب والشعبية والسلامة السياسية باعتبارها المقدرات اللازمة لمن سيترقون. وعلى الرغم من شيوع هذه الممارسة في الكثير من التخصصات، فإنها غير مقبولة في أي وكالة تكون مهمتها الأساسية هي المحافظة على رئيس الولايات المتحدة حياً وآمناً. يجب أن تكون الكفاءة هي الهم الأكبر في جميع الوكالات الحكومية، لكن من باب أولى أن تكون في الهيئة التي يقف عملاؤها بجانب الرئيس وغيره من كبار المسؤولين وهم يحملون أسلحتهم المجهزة بالذخيرة.

لا ترتب الوكالة أولويات الكفاءة بين مديريها، ولذلك تكون مرتبكة حول عدم مقدرتها على التحكم في سلوك عملائها، مما اضطر مديرها إلى العودة مرات ومرات إلى «كابيتول هيل» للاعتذار عن سلوك عملائها. قد يرضي الاعتذار المنتقدين مؤقتاً، لكنهم لا يفعلون شيئاً لمعالجة الفشل الكارثي في قيادة الوكالة.

عندما أصبحت عميلاً سرياً عام 1983 كانت قيادتنا جيدة للغاية، وكان معظم كبار المشرفين ومن هم في الوسط من قدامى المحاربين مما كان يعني إنجاز المهام مع الاعتناء بمن هم تحت مسؤوليتهم. كانوا يتوقعون الكثير من مرؤوسيهم ولكنهم كانوا يعلمون أن عليهم ضرب المثل. واليوم الخدمة السرية غارقة بالمديرين وليس القادة، فليس لدى الكثير من المشرفين سوى خبرة ملموسة قليلة في القيادة، ومع ذلك فهم في مناصبهم على أساس ألقابهم والقوائم الطويلة للمدارس التي درسوا فيها. للأسف لا يمكن تدريس القيادة في فصول الدراسة فقط. وفي الجيش يجتاز المتقدمون امتحان مدرسة الضباط قبل تولي أدوار قيادية بينما في الحكومة الاتحادية في معظم الأحوال يحصل المتقدم على الترقية أولاً ثم التدريب ليكون قائداً، فالمفهوم معكوس تماماً.

ظلت الخدمة السرية منذ إنشائها وحتى بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 بقليل تابعة لوزارة المالية، حيث كانت تعمل بفاعلية كبيرة واستقلال بقدر واسع. لكن بعد هجوم أسامة بن لادن على الولايات المتحدة أصبحت تابعة لوزارة الأمن القومي وبيروقراطية فيدرالية كبيرة.

عندما تتوسع هيئة من الصفوة بسرعة كبيرة ينبغي توخي الحذر حتى لا تحدث التضحية بالمعايير، وللأسف لم يتخذ الحذر دائماً خلال توسع الخدمة السرية الذي تلا هجمات 11 سبتمبر. ومأساة هذا النظام غير الفاعل هي أن الكثير من العملاء ذوي الكفاءة العالية والذين من الممكن أن يصيروا قادة ممتازين، تفوتهم تلك الفرصة بسبب الترقية.

عندما كنت برتبة ملازم ثانٍ بالكتيبة البحرية الأولى وكان عمري 23 سنة، قال لي قائدي الأول إنه سيحملني مسؤولية أي شيء يفعله أو يفشل في فعله رجالي. كان درسه الصعب هو: القائد هو من يتحمل المسؤولية النهائية عن تصرفات مرؤوسيه. كان يبدو ذلك الدرس فريداً في العسكرية، ويجب تطبيقه على موظفي الحكومة من غير العسكريين أيضاً. لو كان فُصل أو أخضع كبار المسؤولين لإجراءات تأديبية على مخالفات مرؤوسيهم بدلاً من تلقي المرؤوسين لكل العقاب، لربما حدثت أحداث أقل مما يخيم على الخدمة السرية حالياً.

* خدمة «واشنطن بوست»