وضاعت الفرصة

TT

بالأمس زارتني صديقة عزيزة ومعها ابنتها الشابة الجميلة التي لم تتزوج بعد. فسألتها: لماذا لم تتزوجي؟ فقالت: لم أعثر بعد على الزوج المناسب. فسألتها: ماذا تريدين من الزوج المناسب؟ فصمتت لحظة ثم قالت: لا أطلب معجزة، أريد رجلا في عينيه لمعة حب الحياة.

لم أجد حرجا في إسداء النصح لها بحكم السن والتجربة. فقلت لها إن حب الحياة لا علاقة له بلمعة في العين. حب الحياة هو أن يحتاج رجل لامرأة بعينها فيأتيها حاملا قلبه بين يديه هدية لا ترد ولا تسترد. إن غابت عنه اشتاق إليها. وإن عبرت عن رأي أو فكرة جيدة عبر عن احترامه لذكائها. إذا مرضت يداويها وإن خافت يحمها. وحين يصبح أبا تجده عطوفا على أولاده. وتلاحظ أنه بار بوالديه وبإخوته. ومع أصدقائه تجده شهما ومن نوع الناس الذي يمكن الاعتماد عليهم. رجل عنده تقوى ومبادئ.

في نظري، هذا هو الزوج الذي يستحق زوجة شريفة ومخلصة.

فمن الرجل الذي يجب أن تهرب منه أي طالبة زواج؟ أولى صفاته هي أنه رجل نكدي يدخل بيته عاقدا ما بين الحاجبين ويخرج من بيته تصحبه زفرات الهم والتأفف. لا يرى في الدنيا سوى القتامة والتجارب القاسية. لو ابتسمت له تصور أنك تريد أن تلغي المسافة بينكما وتتجاوز الحدود. إذا سلمت عليه توقع أن تطلب منه خدمة.

من قصص التراث عن هذا النوع من البشر، أن واحدا كان على متن طائرة، وكان غائبا في أفكاره الخاصة التي انصبت على حقد الزملاء وعلى زوجته الناكرة للجميل والأولاد الذين لا يكفون عن الطلبات وعلى الطبيب الذي لم يقتنع بأن الصداع الذي يهاجمه أحيانا هو دليل على وجود ورم خبيث في مخه المجهد. وبدلا من أن يكتب له روشتة، نصحه بطلب إجازة من العمل لكي يسافر في رحلة ترفيهية.

وفي لحظة نكد شعر بأن الموت أهون من هذه الحياة القاسية. وفجأة، أعلن كابتن الطائرة أنه مضطر للهبوط الاضطراري بسبب عطل في الطائرة. وعلا الصراخ وساد الهرج والمرج واشتعلت الطائرة ثم سقطت وتهشمت ومات من مات.

أما صاحبنا النكدي، فقد غاب عن الوعي. ولما أفاق وجد نفسه وسط الحطام والجثث في بقعة مهجورة. وشعر بالجوع والعطش وقام ليتفقد المكان. ونظر في ساعة يده فوجدها مهشمة وأدرك لحظتها أنه معلق كذرة غبار خارج الزمان والمكان. وبينما هو ينقب عن أي شيء يمكن أن يأكله، وجد صندوقا ففتحه وأخرج منه مصباحا صدئا فمسح عنه الغبار. وما إن فعل ذلك حتى ارتعدت فرائصه حين تجسد أمامه مارد جبار شرس الملامح مفتول الساعدين. وسرعان ما ردد العبارة الشهيرة: خادم المصباح بين يديك.

وهنا، يختلط الخيال الإنساني بالمعاني المجازية التي تداعب أحلام كل البشر. ولو لم يكن النكدي نكديا لتراءت له المعجزة التي نتمناها جميعا في أوقات الشدة. لو كنت مكانه لطلبت الشفاء والنجاة من تلك المحنة مثلا ولشكرت الله أنه أبقى على حياتي.

ولكن، لأن النكدي نكدي تحولت المعجزة في نظره إلى سبب جديد للشكوى. وبما أنه شعر بأمان نسبي في وجود خادم المصباح قرر ألا تفوته فرصة للشكوى، فقال للمارد: حرام عليك. ألا يكفي ما حدث لي؟ اتركني في حالي، أنا لا أريد شيئا سوى أن تتركني الناس في حالي.

وما إن انتهي من الكلام حتى اختفى المارد فجأة كما ظهر فجأة.

بصراحة، لا يهمني ما حدث للنكدي بعد ذلك. ما يهمني حقا هو ألا ألتقي مثله وألا تلتقي تلك الشابة الجميلة التي نصحتُ مثلَه وألا تقترب الصفات النكدية من زوجي الذي أحب من بعيد أو من قريب. وألا تفوتني فرصة لشكر الله على ما رزقني.