التأثيرات الصحية للمكاتب المفتوحة

TT

الصحة المهنية Occupational health أحد أفرع التخصصات الطبية المعنية بالبحث في إصابات العمل وكيفية تفاديها ووسائل معالجتها، بغية جعل بيئة العمل أكثر اهتماما بصحة العاملين وبتوفير الرعاية الطبية لهم حال الحاجة إليها. والمكاتب أحد أكثر أماكن العمل استخداما للقيام بأنواع شتى من الأعمال الوظيفية بنسبة تفوق المصانع والحقول وغيرها من ميادين ممارسة الأعمال المهنية. واهتمام الصحة المهنية بمدى توفير المكاتب بوصفها «وحدة جغرافية يوجد فيها العامل»، للعوامل التي تضمن صحة الموظف، هو واقعا أحد الجوانب النشطة في البحث الطبي العلمي.

باحثون من السويد عرضوا ضمن العدد الأخير لـ«مجلة بيئة العمل» Journal Ergonomics، نتائج دراستهم حول التأثيرات الصحية للمكاتب المفتوحة Open-Plan Offices. ومعلوم أن ثمة توجها عالميا نحو تحقيق الاستفادة الاقتصادية المثلى من المساحة التي تتوفر لوضع مكاتب الموظفين في الشركات المختلفة. وقد لجأ المتخصصون في شؤون التصميم الداخلي منذ ما قبل خمسينات القرن الماضي إلى وضع المكاتب بطريقة مصفوفة في المساحات الواسعة وذلك وسيلة لاستيعاب العاملين، وبعد ذلك بدأ المصممون الألمان بوضع نظام لتصميم مساحة المكاتب يعتمد على إنشاء وحدات مكتبية متعددة بوصفها محطات عمل work stations ضمن مساحات واسعة، وهو ما تطور وأخذ أشكالا متنوعة، منها ما يعطي خصوصية كاملة بحيث لا يرى الموظف زميله الآخر بوجود فواصل عالية نسبيا High-panelled cubicles، ومنها ما ليس كذلك Low-panelled cubicles، ولكن العاملين يظلون يشتركون في المساحة نفسها، وسماع الضجيج نفسه، واستنشاق الهواء نفسه، وتنعدم الخصوصية بكل أشكالها وفوائدها.

ما توصل إليه الباحثون من جامعة استوكهولم أن هذه النوعية من أماكن العمل ربما تؤثر سلبا على صحة الموظفين. وكان الباحثون قد قاموا بمتابعة نحو ألفي موظف يستخدمون أنواعا مختلفة من المكاتب ذات التصاميم المتنوعة، وتحديدا سبعة من أنواع التصاميم. ووجدوا أن من يستخدمون النوعية المفتوحة من تصاميم المكاتب هم أكثر عرضة لأخذ أيام أكثر إجازات مرضية، خاصة النساء. وقال الباحثون إن العلاقة ما بين هذه النوعية من تصميم المكاتب وتدني المستوى الصحي جرت ملاحظتها من قبل، ولا تعرف على وجه الدقة أسباب ذلك. وأضافوا أنه ربما لسهولة انتقال العدوى الميكروبية في الأماكن المفتوحة والمستخدمة بشكل مشترك لساعات عدة، إضافة إلى عدم توفر الخصوصية ما يدفع للاحتياج إلى إجازة مرضية للعناية بالنفس حال المرض.

وذكر الباحثون أن عامل «الحضور إلى العمل رغم المرض» Presenteeism هو أيضا مؤثر في انتقال العدوى بين العاملين في المكان نفسه. ويثير موضوع «الحضور إلى العمل رغم المرض» حاليا اهتماما علميا بالمقارنة مع موضوع «التغيب بادعاء المرض» Absenteeism.

وكان الباحثون الأستراليون من جامعة كوينزلاند للتكنولوجيا قد نشروا في يناير (كانون الثاني) 2009 دراستهم العلمية حول مراجعة جميع الدراسات السابقة التي تناولت موضوع التأثيرات الصحية للمكاتب المفتوحة على صحة الموظفين، ووصفوا حينها نتائجهم بأنها شكلّت صدمة لهم.

وقال الدكتور فانش أومين، الباحث الرئيس في تلك الدراسة، إن «90 في المائة من الأبحاث أفادت في نتائجها بتأكيد التأثيرات السلبية الصحية كالتسبب في ارتفاع مستوى التوتر، وزيادة الخلاف بين العاملين، وارتفاع ضغط الدم، وانتشار عدوى الميكروبات، وزيادة وتيرة استبدال العاملين وتركهم العمل». وأضاف: «زيادة الضجيج تتسبب في تدني التركيز، وبالتالي تدني الإنتاجية».

ويظل الموضوع بحاجة إلى مزيد من الدراسات الطبية للبحث في تلك التأثيرات السلبية المحتملة.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]