الإخوان وبريطانيا.. سلام فكلام

TT

في المقالة الأخيرة هنا، لم يتم توقع الكثير من نية حكومة بريطانيا حصار جماعة الإخوان على أراضيها. ربما كان مجرد تلويح بالعصا، ومزيدا من الضبط لإخوان بريطانيا للتناغم مع المصالح البريطانية العليا. وربما غير ذلك، لكن من الصعب توقع إنهاء «عِشرة عمر» ما بين الجماعة وبريطانيا، منذ لحظة تأسيس الجماعة نفسها.

الصحافة البريطانية بشكل تقليدي متعاطفة مع الإخوان بسبب تعاطف اليسار، الذي يهيمن على الإعلام البريطاني، مع الجماعة، لأسباب معقدة، منها النكاية بالحكومات العربية.

بعد إعلان حكومة كاميرون لهذه السياسة الجديدة تجاه الإخوان، سارعت الجماعة إلى التشكيك في جدوى القرار وجديته. وقال بيان صادر عن الإخوان: «أثار دهشتنا أن الإدارات البريطانية المتعاقبة كانت دوما من أخبر الجهات عن مواقف الجماعة وسلمية منهجها.. والتي لم ولن تغير من مبادئها ومنهاج عملها حتى يومنا هذا».

إبراهيم منير مسؤول التنظيم العالمي للإخوان في الغرب المقيم في بريطانيا منذ عقود وعقود، ذكر في مقابلة مع «الشرق الأوسط» أنه «فوجئ» بالإعلان البريطاني، مؤكدا أن فكر الجماعة معروف عند البريطانيين منذ نحو 80 سنة.

هذا صحيح، فالعلاقة قديمة ومتجذرة، منذ عهد المؤسس حسن البنا. ولها فصول تُروى.

صحيفة «الغارديان» البريطانية علقت على توجه الحكومة الجديد، كما هو متوقع منها، بالتخويف من ارتداد الخطوة سلبيا على حكومة كاميرون، مضيفة أن حظر الجماعة قد يفرح السعودية، ولكنه سيغضب الملايين من أنصار الجماعة.

العلاقة معقدة وقديمة بين الجماعة وحكومة التاج البريطاني. وهي علاقات نفعية من الطراز الأول، إذ لا جامع يجمع بين أبناء خطاب سياسي ديني إسلامي أممي، مع حكومة علمانية ذات نزوع إمبراطوري استعماري بنكهة تجارية ومسحة مسيحية، إلا تبادل المنافع السياسية الدعائية والأمنية.

هناك عدة كتب ودراسات تعرضت لطبيعة العلاقة وتاريخها بين الإخوان وبريطانيا، منها كتاب لصحافي بريطاني (مارك كيتس) تحدث عن التحالف البريطاني السري مع هذه القوى الأصولية، على اعتبار جماعة الإخوان قوة مهمة يستفاد منها في مكافحة التيارات القومية واليسارية والشيوعية المناوئة لبريطانيا، وأن أول اتصال بين الإخوان والإنجليز كان عام 1941. ويشير الكتاب، حسب استعراض صحيفة «صدى البلد»، إلى اشتراك باسيل إيستوود السفير البريطاني السابق لدى سوريا، مع ريتشارد ميرفي مساعد وزير الخارجية في عهد ريغان، في كتابة تقرير لحكومتي الدولتين تحت عنوان «علينا التحدث مع الإسلام السياسي في الشرق الأوسط وليس في العراق فقط». كما أكد وزير الخارجية، أمام البرلمان البريطاني، أن المسؤولين البريطانيين يتواصلون مع أعضاء الإخوان المسلمين منذ عام 2001، وأن مسؤولين آخرين التقوا مع ممثلين للإخوان في الأردن والكويت ولبنان. في يونيو (حزيران) 2005 وضع السفير بلونبلي مذكرة توضح أسباب حرص بريطانيا على التواصل مع الإخوان.

من هنا، كان التوقع السابق بأن إلقاء ورقة الطلاق بين الجماعة ولندن أمر صعب التخيل، على الأقل حتى الآن.