عن «الاتفاق السيئ» والسياسات الأسوأ!

TT

لم يكن كافيا أن يعلن باراك أوباما خلال محادثاته مع خادم الحرمين الشريفين أنه لن يقبل باتفاق سيئ مع إيران، الأهم هو ألا يستمر في ممارسة السياسات السيئة في المنطقة التي راكمت الإحباط من المحيط إلى الخليج، خصوصا بعدما ثبت أن أميركا تتسلل من المنطقة على رؤوس الأصابع مخلية مصالحها لأعداء الأمس.

لم يكن الاندفاع المتهافت على طهران آخر تجليات هذه السياسة الغريبة عن طبيعة النهج الأميركي، ولم يكن التعامي عن المذبحة السورية آخر فصولها المعيبة، وما كانت مناكفة الثورة المصرية دعما للإخوان المسلمين آخر غرائبها المفاجئة، وإن كان سقوط وعود أوباما الزهرية بشأن قيام الدولة الفلسطينية من العيوب المنتظرة والمحبطة!

وهكذا يمكن القول إن قمة روضة خريم بين خادم الحرمين الشريفين والرئيس الأميركي كانت مزدحمة بالملفات الدقيقة والحاسمة، وعقدت في جو من العتب والقلق والشكوك. وإذا كانت «الـتايمز» قد علقت في بداية فبراير (شباط) الماضي على إعلان البيت الأبيض أن أوباما سيزور الرياض بالقول: «إنه خبر طيب. يجب أن يطمئن أوباما السعوديين إلى أنه لن يهجرهم»، فقد هبط أوباما في الرياض وهو أيضا في حاجة لكي يطمئن نفسه إلى أن السعوديين لن يهجروه.

كان هذا واضحا، خصوصا بعد التقرير الذي رفعته أجهزة الاستخبارات الأميركية في نهاية ديسمبر (كانون الأول) إلى الكونغرس، الذي أقرّ باحتمال فقدان واشنطن حلفاءها في «مجلس التعاون الخليجي». وقد حذر جيمس كلابر، مدير الاستخبارات بنتيجته، من أن انزعاج دول الخليج من السياسات الأميركية تجاه إيران وسوريا ومصر، قد يدفعها إلى خفض التعاون مع أميركا بشأن القضايا الإقليمية.

المثير أن الزيارة تمت في ظروف غير عادية بين واشنطن والرياض، فعشية وصول أوباما أنهت الحكومة الأميركية مراجعة شاملة لسياستها حيال سوريا، مؤكدة أنها لن تغير هذه السياسة، خصوصا لجهة التدخل عسكريا، أو السماح بتزويد المعارضة بصواريخ مضادة للطيران، وأكثر من هذا أنها متمسكة بالمفاوضات مع طهران إلى درجة أنه لو كان هناك خيار عسكري جيد في سوريا ويمكن أن يؤثر سلبا على هذه المفاوضات، فإن واشنطن لن تقدم عليه، بما يعني أن أوباما لا يتعامى عن المذبحة السورية فحسب؛ بل يشجع التورط الإيراني فيها!

وعشية وصول أوباما كان الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع ينهي جولة آسيوية شملت باكستان والهند واليابان والصين، ما فسره البعض بوجود نية سعودية للتوجه نحو الشرق في سياق توسيع علاقاتها الاستراتيجية في مختلف المجالات، «وهو ما يطلق تحولا سعوديا مهما لا يمكن تجاهله» على ما كتبت صحيفة «الشعب» الصينية.

قبيل هبوطه في الرياض حيث كان يعرف كم سيكون مطالبا بتحمل مسؤولياته السياسية والأخلاقية والإنسانية في سوريا، أعلن أوباما لشبكة «سي بي إس» أنه يشك في أن الأمور كانت لتصبح أفضل لو أنه نفذ الضربة العسكرية ردا على استعمال السلاح الكيماوي ضد المدنيين، وبدا الأمر بمثابة مباركة للقتل المحظور دوليا، كما أنه أعلن الاستسلام بقوله: «بعد عشرة أعوام من الحروب، فإن قدرات الولايات المتحدة لها حدود»!

على أساس كل هذا، يصبح مفهوما أن القمة التي أكدت على استراتيجية العلاقات التاريخية بين البلدين، وعلى رسوخها وثباتها، لم تحل الخلافات التكتيكية، بل انتهت بالاتفاق على تقليصها أو التقليل منها، وقد وصفها بيان البيت الأبيض بـ«القضايا الحرجة»، أي الأزمة السورية، ومنع إيران من الحصول على السلاح النووي ومنع تدخلاتها السلبية في الإقليم، ومحاربة الإرهاب، ومحادثات السلام في الشرق الأوسط.

إعلان مسؤول كبير رافق أوباما أنه «كان من المهم الحصول على فرصة للقدوم لمقابلة الملك عبد الله، فلا شيء أفضل من اللقاء وجها لوجه، والرئيس لم يأتِ للقيام بما يفعله مسؤولون كبار من البلدين»، يعني أن أوباما يقر ضمنا بما تركته سياساته المتراجعة عربيا والمتهافتة إيرانيا من شكوك مشروعة لدى حلفاء أميركا في المنطقة. وليس سرا أن هناك أصواتا قوية ترتفع في واشنطن متسائلة: كيف نستبدل بحلفائنا التاريخيين والمضمونين في الخليج، حلفاء إيرانيين غير مضمونين؟

المحور الذي ركز عليه الأميركيون بعد القمة هو أن «أوباما لن يقبل باتفاق سيئ مع إيران، والاهتمام بالقضية النووية لا يعني أننا غير مهتمين بأنشطة إيران لزعزعة الاستقرار في المنطقة، أو أننا لا نركز كثيرا على هذه المسألة التي تقلقنا مثل دعمها للأسد وحزب الله والتدخل في اليمن والخليج، فهذه مخاوف ثابتة عندنا».. ولكن هذا الكلام يتناقض كليا مع ما يفترض أن يمليه من سياسات أميركية في المنطقة.