«النكبة» المضافة

TT

يمكن القول، حسب التعبير اللبناني الدارج، «تم النقل بالزعرور» واصبح لبنان الدولة «العالمثالثية» الوحيدة تقريبا التي تطبق ضريبة «القيمة المضافة» على مواطنيها... وكأن سيولة مواطنيها فائضة الى حد بات تحصيل دخل، ولو هامشي، منها اقصر الطرق لسد عجز الموازنة.

مع مطلع فبراير (شباط) المقبل سيكون بمقدور لبنان ان يتحدى دول الاقتصاد المزدهر في الغرب ـ بضرائبها فقط لا غير ـ ويقول لها باعتزاز: من ساواك بنفسه فما ظلم... سوى الكادحين في ارضه والساعين الى رزقهم بعرق جبينهم.

أن تأتي ضريبة الـ10 في المائة على السلع والبضائع بعد فترة وجيزة من زيادة سعر غالون البترول على المستهلك اللبناني ـــ في بلد تعتمد مواصلاته الداخلية على السيارات والشاحنات فحسب ــ دليل آخر على أن الحكومة اللبنانية تعتبر المكلف اللبناني «أسهل» الاهداف المتاحة لتمويل العجز رغم ما تستتبعه الزيادات المطردة في الضرائب والرسوم من تفاقم الاعباء المعيشية على المقيمين ـ والعديد منهم «مقيم» لعجزه عن الهجرة ـ وما تفرزه من غلاء في الاسعار.

قد لا تلام الحكومة اللبنانية في سعيها لتحميل اللبنانيين انفسهم اعباء خدمة الدين العام بعد ان سُدّت في وجهها ابواب المعونات العربية و«تسيست» وعود المساعدات الغربية و تجاوز الدين الـ25 مليار دولار.... والحبل على الجرار.

ولكن في دولة لا تزال عاجزة عن تحصيل فواتير الكهرباء ليس من مستهلكيه فحسب بل من بعض كبار النافذين فيها، قد يكون أول سؤال يتبادر الى الاذهان: هل ستضمن الدولة جباية ضريبة القيمة المضافة صافية وكاملة بواسطة أجهزتها الضريبية الحالية... أم ستكون هذه الضريبة «حجة مضافة» لتعيين طاقم جديد من الموظفين قد تستهلك قيمة رواتبه قيمة الضريبة، خصوصا اذا تحكمت في التعيينات الاعتبارات الطائفية و«الزعامتلكية»؟

واستطرادا، هل ستساهم هذه الضريبة ـ في حال جبايتها كاملة ـ مساهمة ملموسة في سد العجز المالي أم سترى الدولة نفسها مضطرة لتقليد الدول الغربية بضريبة أخرى... علما بان ضرائب هذه الدول تذهب لتمويل التقديمات الاجتماعية والصحية للمواطنين قبل اي شيء آخر؟

صحيح انه، على المدى البعيد، قد يساعد تطبيق ضريبة «القيمة المضافة» في توصل لبنان الى اتفاق شراكة مع الاتحاد الاوروبي، كما ذكر وزير المال. ولكن ما يحتاجه لبنان اليوم هو سياسة مالية للمدى القصير... وسياسة اقتصادية للمدى البعيد، اي تقديم خفض الإنفاق العام على زيادات الضرائب والرسوم، فزيادة الضرائب في هذه الظروف الصعبة لن تكون أكثر من وصفة لما يمكن تسميته بسياسة «لحس المبرد»: انفاق متزايد تقابله ضرائب متزايدة فيما المطلوب هو انفاق اقل وضرائب مستقرة في اسوأ الحالات.

أما ضبط الانفاق، فلا يختلف اثنان على ان مجالاته واسعة ولكن فرصه ضيقة في ظل استمرار ذهنية «الحالة اللبنانية» في الحكم.

على سبيل المثال لا الحصر، يفوق حجم الجهازين الاداري والامني الفضفاضين حاجة لبنان الفعلية اليهما حتى باعتراف بعض اهل الحكم. وإذا كانت الاعتبارات الانسانية (بطبيعة الحال) والطائفية (بطبيعة الحالة اللبنانية) تحول دون صرف الفائضين عن حاجة الادارة، فاضعف الايمان البدء باعتماد سياسة وقف التوظيف في الدوائر العامة ـ عوض الاختلاف على «حصص» التوظيف ـ واعادة توزيع الفائض الاداري على المراكز الشاغرة... على الاقل كي تقول الدولة للبنانيين: حملتكم عبئا ضريبيا جديدا ولكني بدأت بنفسي في ترشيد الانفاق بقرار من شأنه تخفيف بعض اعباء الدولة المالية والمساهمة في خفض الدين العام.