خلفيات تحقيق بريطانيا في نشاط الإخوان

TT

بدء الحكومة البريطانية التحقيق الاستكشافي لنشاط الإخوان المسلمين (وبالتحديد التنظيم الدولي) وفلسفتهم وأهدافهم واحتمال تهديدهم للمصالح القومية للبلاد وأمنها، أثار اهتمام خدمات البث الإذاعية المصرية والعربية والبلدان الإسلامية.

لا يزال الوقت مبكرا لوضع عناصر التحليل الدقيق، وإذن سأقصر الأمر على الالتزام بالمعلومات والحقائق حول خلفية هذه الخطوة التي أثارت الإخوان وأعلنت الجماعة أنها ستتحدى الحكومة البريطانية في المحاكم (وجزء من المعلومات توفير جهات خليجية أكثر من 31 مليون دولار ميزانية لمجموعة من المحامين استؤجروا التنظيم الدولي لهذا الغرض).

يعود تردد وتأخر حكومة ديفيد كاميرون في التعامل مع الإخوان إلى تنافس تيارين داخل المؤسسة السياسية البريطانية، على إقناع الحكومة باتباع استراتيجيتهم.

وزارة الخارجية والكومنولث، وهو تيار لم يطور تفكيره الاستراتيجي المصبوغ بعقلية الحرب الباردة، ونظرة شبه عنصرية لبلدان العالم الثالث. الخارجية لا تزال تقسم الإسلام السياسي إلى جماعات وأحزاب «يمكن عقد الصفقات معها» كالأحزاب التي تعمل كواجهات سياسية للإسلام السياسي، والجماعات الجهادية. نصيحة هذا التيار هي تمكين وتقوية الإخوان المسلمين (ما يعرف بالخيار التركي) من حكم بلدان الثورات (تونس، ليبيا، مصر، وما يتبعها) مقابل أن «يلجم» الإخوان الجماعات الإرهابية ونشاطها، ويضمنون الاستقرار بأي ثمن.

مقابل ذلك أجهزة الأمن والاستخبارات، ووزارة الداخلية.

هذه المجموعة لديها أدلة مادية واستخباراتية على أن الجماعات الجهادية والإخوان هما وجهان لعملة واحدة.

وتجادل هذه الوكالات الأمنية بأنها تتعامل يوميا مع الأخطار الفعلية للجماعات (كتفجيرات مترو الأنفاق، وعمليات كمطار إدنبره، والهجوم على مركز احتفالات موسيقية)، وأن أدلتها تشير إلى التأثير القوي، وأحيانا ارتباط الإخوان، بالخلايا النائمة الإرهابية.

وزيرة الداخلية نفسها، تيريزا ماي، أكثر ميلا لدعم تيار وكالات الأمن؛ وتريد تعديل قوانين الهجرة والجنسية واللجوء السياسي، لتجنب إعادة تكرار مهزلة أبو قتادة القضائية. فقد استغرق ترحيله إلى الأردن للمثول أمام القضاء هناك عقدا كاملا، وعشرات القضايا (كلها بتمويل الحكومة البريطانية التي دفعت خزانتها مصاريف محامي دفاع أبو قتادة).

معلومة أخرى قدمتها المخابرات الخارجية برصد مكالمات وتبادل رسائل ومعرفة ما دار في لقاءات في منطقة الخليج بالذات، والاتصال مع بريطانيا.

عدد لا يستهان به من قيادات الإخوان وفقهائهم ومنظريهم وزعامات التنظيم الدولي، في الخليج، يخشون من تغير في موازين القوى قد يؤدي إلى ترحيلهم. ولذا طلبوا الإسراع بالانتقال إلى بريطانيا. والمحامون الذين رصدت لهم الميزانية الضخمة، يعملون منذ أشهر على إعداد طلبات اللجوء السياسي لهذه القيادات. إعلان هؤلاء المحامين نياتهم تقديم القيادات العسكرية المصرية والحكومة المؤقتة إلى محكمة العدل الدولية حول حقوق الإنسان، استخدام العنف لفض الاعتصامات، ما هو إلا ستار دخان للنشاط الحقيقي وهو توفير اللجوء السياسي لعشرات من زعماء الإخوان المقيمين في الخليج، مع خلق وهم في الصحافة بأن الحكومة المصرية عنيفة وتستهدف الإخوان، وهو مبرر لمنحهم اللجوء السياسي. هذه المعلومات هي ما دفعت وزيرة الداخلية للسعي لتعديل قوانين الهجرة والجنسية واللجوء السياسي.

تحقيق أجهزة الأمن المعلوماتي مع «المتطوعين» العائدين من سوريا، وهم حملة الجنسية البريطانية، وكلهم تقريبا من المسلمين من أصول باكستانية وشرق أوسطية، أدى إلى اكتشاف مدى تأثير آيديولوجيا الإخوان (إلى حد السيطرة السيكولوجية بما تعرفه الصحافة والتعبيرات الشعبية الدارجة بغسيل المخ) وتوجيهات سيد قطب الجهادية. أجهزة اتصال وشرائح تليفون جوال، وبعض وسائل اتصال متقدمة كان مصدرها حماس؛ كما أن تسجيلات مكالماتهم على الجوال، كانت دليلا مقنعا لوزيرة الداخلية بارتباط هؤلاء المقاتلين العائدين من سوريا بالإخوان.

وهم عائدون بمهارات قتالية وكراهية ليس فقط لغير المسلمين، بل لمسلمين لا يشاركونهم فكر سيد قطب. ومثلما يقول المستشار السياسي لرئيس الوزراء، فإن المعلومات شبه المؤكدة الآن أن العائدين من سوريا بآيديولوجيا الإخوان، ومن لهم علاقة بهم، أصبحوا قضية أمن قومي بريطانية.

المعلومات الأمنية التي قدمتها الإمارات عن نشاط الإخوان المسلمين (القضاء الإماراتي نظر الأدلة وحكم بأن الإخوان جماعة إرهابية) لم تكن أدرجت في اعتبارات اتخاذ القرار البريطاني بسبب ضغوط وزارة الخارجية الذي ينظر للإخوان بعيون استراتيجية تختلف عن العيون الأمنية. الأمن القومي، داخليا وخارجيا، يضع أمن المواطنين أولا، ثم المصالح القومية في الاعتبار الثاني، قبل الاعتبارات الدبلوماسية.

لبريطانيا والإمارات مصالح متبادلة طويلة المدى وتعود لأكثر من قرنين من الزمان.

الإمارات تستعد لاستقبال معدات بريطانية عائدة من أفغانستان واستخدامها في سياسة الدفاع الإماراتية؛ وفي مناورات إماراتية بريطانية مشتركة.

عندما نشرت هذه الأخبار، سجلت المخابرات الخارجية تصعيدا في اتصالات للجماعات الموالية للإخوان باستهداف الإمارات وأمنها.

التحقيق الاستكشافي الذي أمر به رئيس الحكومة البريطانية (ويتولاه سفير بريطانيا لدى المملكة العربية السعودية) يتوقع استكماله قبل انتهاء الدورة البرلمانية ثم يناقش في اللجنة البرلمانية لشؤون الأمن والاستخبارات. السؤال الذي تطرحه الصحافة العربية: هل إذا أسفر التحقيق عما نعرفه بالفعل، عن تورط الإخوان في التنظيمات الإرهابية؛ هل تمنع بريطانيا نشاطها؟

إشهار حزب سياسي في بريطانيا لا يحتاج لترخيص؛ والتعامل في هذه المسألة سيكون مع أفراد، إذا ثبتت علاقتهم بتدبير أو ارتكاب أعمال وقعت خارج الأراضي البريطانية، لكنها تعتبر إجرامية ومخالفة للقوانين البريطانية إذا ارتكبت على أرضها (بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب الذي أصدره مجلس العموم عام 2003 وتعديل قانون الأمن العام لسنة 1936).

اليسار البريطاني، خاصة في «بي بي سي» و«الغارديان» بدأ حملة مناهضة لإقناع الرأي العام بأن الإخوان «ناس طيبون ومظلومون».

حملة الجنسية البريطانية قد يتعرضون للمحاكمة وربما السجن، وغير حملة الجنسية سيتعرضون للترحيل لبلادهم الأصلية. التنظيم الدولي للإخوان يعرف مقدما نتائج التحقيق، فالأدلة متوفرة، ولذا يكدسون مصادر التمويل وأمهر المحامين، لمعركة في المحاكم والدوائر القضائية قد تستمر سنوات، عندما تعترف الحكومة البريطانية علنا بما يعرفه الجميع: التاريخ الدموي، الماضي، والحاضر (وما نتوقعه للمستقبل) من علاقة الإخوان بالإرهاب.