العلاقات الخليجية ـ الخليجية.. مستقبل واعد

TT

العلاقات الخليجية – الخليجية كانت ولا تزال بخير، ولكن هناك من المحللين السياسيين من ينظر إلى الأمور من منظار واحد، وخاصة الجانب السياسي، ولا يعرف الكثير عن الجوانب الأخرى الاقتصادية والاجتماعية، ومن جانب آخر هناك أطراف في المنطقة وخارجها تهدف إلى صب الزيت على النار لتمزيق الصف الخليجي الواحد لتحقيق مكاسب معينة وأهداف خاصة لها، ولعل من أهم هذه الدول إيران التي ترى في ضعف دول الخليج العربي قوة لها، ولا يعرف هؤلاء حقيقة العلاقات الخليجية - الخليجية، يكفي أن ندلل هنا على قوة العلاقات الخليجية - الخليجية باستمرارية بقاء هذا التكتل السياسي منذ أكثر من ثلاثين سنة، فمهما بدا من خلافات بين دول الخليج العربي فإن ما يجمع بينها أكبر من هذه الخلافات التي تطفو على السطح بين الحين والآخر، وذلك لأن تشابك المصالح بين هذه الدول وتشابه الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بينها يجعل من هذه الدول كتلة واحدة. وظاهرة الخلافات بين الدول ليست شيئا غريبا ولا جديدا، فالاتحاد الأوروبي مثلا الذي يضم دولا تختلف في ظروفها وثقافاتها ومصالحها في بعض الأحيان تشهد خلافات فيما بينها، وهذه الخلافات ليست دليلا على الضعف إنما تدل على التفاعل والتواصل فيما بين هذه الدول، وما زالت دول أوروبا مستمرة في الحفاظ على هذه الوحدة.

إن دول الخليج العربي لها خصوصية، يمكن أن نطلق عليها خصوصية كيان الزمان والمكان، فهي جميعها مرت بالظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية نفسها إلى حد كبير، وهناك تشابه بين كياناتها السياسية حيث إنه على رأس السلطة هناك قبائل ترتبط برابطة الدم والمصير المشترك، مما لا يتيح لأحد اختراق هذه العلاقات، والدليل على ذلك أنه على الرغم من الخلافات التي عصفت بدول المجلس، فإن هذه الدول بقيت وما زالت في كيان واحد. فمثلا دولة قطر تدرك أن لها روابط قوية مع دول الخليج مهما بدا من خلافات بينها وبين بعض دول الخليج، كما حدث مؤخرا من سحب للسفراء من قبل بعض دول الخليج منها، وهي تعرف أن العلاقة مع دول الخليج هي علاقة بين الشعوب الخليجية، وهي أكبر من العلاقة بين المسؤولين، وأنها في جميع الأحوال لا يمكن أن تسمح لأي كان بأن يعكر علاقاتها بدول الخليج، ومصيرها واستقرارها مرتبط بدول الخليج بشكل أو بآخر. والأهم من ذلك وجود المملكة العربية السعودية وثقلها السياسي على المستويين الإقليمي والدولي، فهي صمام أمان لأن تبقى العلاقات الخليجية - الخليجية قوية بين كل الدول الخليجية.

وكذلك الحال في مسيرة مجلس التعاون الخليجي، فرغم أنه لم يرتق بعد إلى طموحات المواطن الخليجي، فإنه عند الضرورة يظهر دور هذا المجلس، وهذا تجلى في دخول قوات درع الجزيرة مملكة البحرين، عندما تعرضت لأحداث عام 2011، التي وقفت وراءها إيران وحزب الله.

ولا ننسى أن دول الخليج العربي في محيطها الإقليمي، تعرضت لثلاث حروب متتالية خطيرة، بدءا من الحرب العراقية - الإيرانية من سبتمبر (أيلول) 1980 حتى أغسطس (آب) 1988، التي اضطرت فيها دول الخليج للوقوف مع العراق بسبب التهديدات التي كان يطلقها حينها الخميني بتصدير الثورة ليس إلى دول الخليج ولكن للعالم أجمع، وبعدها مباشرة حرب الخليج الثانية، حرب تحرير الكويت، من 17 يناير (كانون الثاني) إلى 28 فبراير (شباط) 1991، وبعدها حرب الخليج الثالثة، التي تمثلت في الغزو الأميركي للعراق عام 2003، حيث كان لهذه الحرب انعكاساتها على دول الخليج العربي، التي ما زالت آثارها إلى اليوم، على الرغم من انسحاب القوات الأميركية من العراق، إلا أن ما يحدث في العراق الآن من اقتتال يهدد أمن الخليج، بسبب غموض الموقف في العراق.

وفي جميع هذه الحروب تأثرت دول الخليج العربي، ليس أمنيا فحسب، إنما كذلك ماديا، فلقد اضطرت هذه الدول لشراء الأسلحة وتطوير قدراتها العسكرية للحفاظ على أمنها واستقرارها.

«إن أهل مكة أدرى بشعابها». هناك من لا يعلم أن دول الخليج العربي تربطها مشاريع استثمارية مشتركة كثيرة، وأن هناك تجارة بينية بين دول الخليج، إن دول الخليج ليست دول نفط فقط. وإن من مصلحة دول الخليج أن يستمر الاستقرار والأمن فيها، والعالم كله يدرك ذلك، حيث تمثل دول الخليج 40 في المائة من الاحتياطات النفطية المكتشفة، و23 في المائة من احتياطات الغاز العالمية، وتسهم دول الخليج في استقرار النفط، كونها أكبر مصدّر للنفط، وبنسبة 25 في المائة من إجمالي الصادرات العالمية، ولذا فإن دول العالم جميعها، وخاصة الدول الكبرى، تحرص على أن تكون العلاقات الخليجية - الخليجية بخير، وليس دول الخليج فقط، ومن يعتقد أنه من الممكن أن يعكر صفو العلاقات بين دول المجلس فهو واهم، حيث إن الخلافات التي تحدث بين بعض دول المجلس هي خلافات البيت الواحد، ولا ترقى إلى نزاعات تمزق هذه العلاقات. إن قيادات دول المجلس تدرك ذلك، ولذا هي حريصة على قوة هذه العلاقات، والخلافات ما هي إلا استثناءات تحدث بين الحين والآخر، كسحاب صيف ليس إلا.

إن دول الخليج اليوم غير دول الخليج الأمس، فكما زادت هذه الدول في مشاريعها ونموها السكاني وأصبحت منطقة جذب لكثير من الجنسيات المهاجرة وشركات الاستثمار، كل ذلك أوجد مشكلات جديدة أثرت على العلاقات بين هذه الدول، وما حدث، خاصة في مصر، أوجد نوعا من الخلافات التي لا تمس جوهر العلاقات الخليجية - الخليجية، وبمجرد أن تسير الأمور في طريقها الصحيح فسوف ينعكس ذلك إيجابا على العلاقات الخليجية - الخليجية. إن قادة المجلس يدركون تماما أن أي تهديد لدولة من دولهم هو تهديد للجميع، وأكبر دليل على استشعارهم بذلك هو ما جرى التوصل إليه في القمة الخليجية الأخيرة، إذ دعا البيان الختامي إلى «اعتماد إنشاء القيادة العسكرية الموحدة لدول مجلس التعاون الخليجي، إلى جانب إنشاء أكاديمية خليجية للدراسات الاستراتيجية والأمنية، بالإضافة إلى إنشاء جهاز للشرطة الخليجية لدول المجلس (الإنتربول الخليجي)».

لقد أغفل البعض الإنجازات الاقتصادية التي تمت بين دول الخليج، خاصة أن الإنجازات تحتاج إلى وقت، والأخطار التي تعرضت لها دول الخليج أخرت تنفيذ كثير من الإنجازات الاقتصادية، وهذا ما سبق أن أشرنا إليه في تعرض دول الخليج العربي لثلاث حروب متتالية، على الرغم من ذلك، فإن هذه الدول تسير على خطة قد تتأخر أو تتقدم، وذلك يرجع إلى كل المتغيرات التي تستجد على الساحة العربية والعالمية، ولقد شهدت عملية التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي تطورات إيجابية على مدى السنوات القليلة الماضية، من خلال تنفيذ عدد من المشاريع الاستراتيجية، مثل السوق الخليجية المشتركة، والاتحاد الجمركي، والاتحاد النقدي، والربط الكهربائي. وبالإضافة إلى ذلك، يعد إنشاء العديد من المؤسسات والهيئات المشتركة من الإنجازات المهمة التي حققتها دول مجلس التعاون الخليجي. وتتطلع دول مجلس التعاون الخليجي في الوقت الحالي لإنشاء شبكة للسكك الحديدية خلال السنوات القليلة المقبلة.

وختاما، نقول إنه لا يمكن أن ننظر إلى الأمور بمثالية خاصة أن هذه الدول منذ 50 عاما كانت شعوبها على خط الفقر، والآن أصبح دخل المواطن الخليجي يضاهي دخل الأفراد في الدول الغنية، دعونا نكن متفائلين. إن الصعود إلى القمة هو أصعب من الهبوط، فدعونا، فلنتفاءل بالمستقبل.

* كاتب واكاديمي بحريني