الانتخابات الأميركية.. مبكرا!

TT

معالم السباق الرئاسي في الولايات المتحدة يبدو أنها بدأت في التبلور والوضوح. وهذا الحدث بطبيعة الحال، سيكون له وقع مؤثر جدا على العالم، سواء كان ذلك على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو العسكري أو حتى الثقافي والاجتماعي.

من مجريات الأمور، وبحسب التطورات الأخيرة، يبدو أن وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون ستكون اختيار الحزب الديمقراطي لتمثيله في الانتخابات القادمة، وذلك على الرغم من «تلميحات» نائب الرئيس الحالي جو بايدن بأنه لا «يمانع» فكرة الترشح للمنصب، إلا أن الكل يدرك أن هذه مسألة محسومة؛ لأن حظوظ هيلاري تبدو أقوى، وعمرها أصغر، وأنها معروفة برجاحتها في المواقف أكثر من جو بايدن صاحب الزلات والهفوات اللسانية العديدة، وكذلك فرصة هيلاري كلينتون هائلة في تجميع أصوات النساء حولها، وخصوصا أن الحالة الذهنية تبدو مستعدة في أميركا لاستقبال أول رئيسة سيدة منتخبة في التاريخ السياسي لأميركا.

أما الحزب الجمهوري فيبدو أنه سوف يكون على موعد مع اختيار مفاجئ؛ لأن الاسم المتصدر في استطلاعات الرأي الأخيرة هو «جب» بوش، الأخ الأصغر للرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، وهو كان حاكما ناجحا لولاية فلوريدا الكبرى والمؤثرة وصاحبة التاريخ والمواقف السياسية الجدلية في السنوات الأخيرة، وخصوصا في الانتخابات الرئاسية.

وظهر «جب» بقوة بعد تضاؤل فرص المتصدر الأسبق حاكم ولاية نيوجيرسي كريس كريستي، الذي تتهمه بعض الأطراف في إدارته ملف فساد يخص أحد مشاريع الجسور المرورية بالولاية، وخصوصا أنه صرح أكثر من مرة بعدم علمه بالأفراد المقصودين ليتبين بعد ذلك أن هذا الكلام غير دقيق، وأن هذه الشخصيات ظهرت بصحبته في أكثر من مناسبة مختلفة، مما أدى لإحراجه الشديد وهبوط فرصه وشعبيته وحظوظه بشكل مدهش، أما باقي الشخصيات المرشحة عن الحزب الجمهوري فتبدو فرصها ضئيلة، لأنها كلها تجنح للتشدد والتطرف، وهي مسألة باتت أميركا بصورة عامة لا تقبل بها لأنها جنحت إلى اليسار الاجتماعي وركزت على ملفات الداخل والحقوق بشكل أساسي.

يراهن الحزب الجمهوري على «جب» بوش بشكل رئيس لقناعتهم بقدرته على جذب الصوت اللاتيني القوي في فلوريدا، والذي يشكّل ما يقرب من 28 في المائة من الصوت الناخب في أميركا والموجود في ولايات قوية وكبيرة ومليئة ومؤثرة مثل فلوريدا وكاليفورنيا وتكساس ونيويورك. ولكنّ هناك غموضا يلف فرصة مرشح مستقل مؤثر وناجح ومهم، وهو عمدة مدينة نيويورك القوي السابق مايكل بلومبيرغ، صاحب إمبراطورية الإعلام الكبيرة، والذي تحوم حوله الإشاعات بنيته الترشح كمستقل، وهو لديه السجل الإيجابي والقبول الناجح والتميز المهني الذي يجعل «القبول» به واردا كخيار حيوي بين التناحر الدائم والممل بين اليمين الجمهوري واليسار الديمقراطي، وهناك قناعة بعد انتخاب باراك أوباما كأول رئيس من أصول أفريقية، بأن أميركا على استعداد لانتخاب أول رئيس يهودي لها.

ولكن هناك تحديات لكل مرشح من هؤلاء، هيلاري كلينتون ستأتي ومعها «إخفاقات» إدارة أوباما في العلاقات الخارجية (على الرغم من محاولاتها المستمرة في «الابتعاد» مؤخرا عن هذه السياسات)، ولكن تدهور منطقة الشرق الأوسط بعد الربيع العربي وتخبط القرارات الأميركية، وسوء قراءة الوضع، ونمو قوة بوتين مجددا على حساب الضعف الأميركي وتردده، وسوء التصرف التام حيال الأزمة السورية، وعدم قدرة الإدارة الأميركية على الحسم الفوري حينما كان لديها الفرصة لذلك، واحتضانها لإيران بشكل غريب وغامض، وأزمة السفارة الأميركية لدى ليبيا، وفشل حمايتها أمنيا، كلها ملفات ملتهبة ستواجه كلينتون.

وبوش يأتي بتعاطف مع سياسات الهجرة واحتضان المهاجرين، وهي مسألة «مرفوضة» لدى الحزب نفسه، وكذلك علاقاته بأقطاب سياسات شقيقه المثيرة للجدل، وخصوصا شق المحافظين الجدد منهم، والذي لا تزال أميركا تدفع الثمن جراء ذلك حتى اليوم.

بلومبيرغ يبدو الأقل «مشكلات» و«تحديات»، ولكن التحدي الأهم سوف يكون أنه بلا حزب يمهد ويسهل له الحصول على قاعدة شعبية تنافس حزبين عريقين وقويين ومؤثرين.

الانتخابات الأميركية باقٍ عليها أكثر من سنتين، وملامحها بدأت تتشكل، ويبدو أنها سوف تكون مختلفة عما سبق؛ لأن وجوها غير تقليدية ستأتي إليها.