ينبغي عدم تسييس النفط

TT

بينما تواصل اسعار النفط تأرجحها تجري محاولات اخيرة لاستئناف الحوار بين منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) وثلاث دول مهمة من غير الاعضاء في اوبك على الاقل. وتتمثل المشكلة في موقف روسيا والنرويج والمكسيك من خفض الانتاج لاجل استقرار الاسعار الى حد مقبول بالنسبة لدول اوبك وان كانت سترى في ذلك مصلحة لها ام لا. وكانت تلك الدول الثلاث الى جانب الإكوادور وعمان قد تعهدت بموجب اتفاق شرف توصل اليه في الربيع الماضي بدعم تلك السياسة، ولكن الاسعار عندما بدأت بالانحدار سارعت تلك الدول الى النكوص عن التزاماتها السابقة وترك اوبك تعاني من الترنح.

وتريد بعض الدول الاعضاء في اوبك، وعلى رأسها ايران والعراق، ان تتبنى المجموعة ما يمكن ان يرقى الى استراتيجية حرب وخفض الانتاج بشكل حاد لاستعراض عضلاتها امام ما تبديه تلك الدول من تردد. غير ان هذه السياسة غير مناسبة سياسيا أما اقتصاديا فانها لا تخلو من مخاطر.

فعلى صعيد سياسي ليس هذا بالوقت المناسب لتلاعب اوبك بمعدلات الانتاج صعودا وهبوطا بهدف التأثير على شكل قطاع الطاقة المعولم. فالرأي العام الدولي ينظر بعين العداء لاوبك التي يعتبرها البعض كارتيلا للاغنياء يبحث عن تحقيق مزيد من الارباح. كما انه وعلى خلفية غليان الاوضاع في الشرق الاوسط وبلوغ الحرب على الارهاب مرحلة اكثر تعقيدا واثارة للمشاكل، فان اي تلميحات الى استخدام السياسة اداة لتحديد اسعار النفط ستضر بمصالح اوبك على المدى الطويل. وبعد طمأنة العالم الى ان اوبك لن تعود الى استخدام النفط كوسيلة سياسية ابدا فإن أي خطوات تثير الشكوك في هذا الصدد لن تكون نافعة.

الى جانب ذلك، فان المخاطر الاقتصادية للتلاعب الكبير بمعدلات الانتاج تبدو واضحة ايضا، فسبب تراجع الاسعار الاخير هو التباطؤ الاقتصادي العالمي، ولن يقود دفع الاسعار بشكل مصطنع وبمعدلات لا يمكن ان يتحملها السوق الا الى القضاء على دفعات الانتعاش الاقتصادية الاولى وهي لا تزال في بدايتها. اما على المدى البعيد فان رفع الاسعار بشكل مصطنع قد يشجع على توجه مزيد من الاستثمارات باتجاه مصادر الطاقة الجديدة التي لا تزال هامشية، وهو ما يهدد التوقعات الاستراتيجية للنفط.

وتتبدى مشكلة اوبك الاهم في ان شركاتها النفطية التي تديرها دولها تتحرك في سوق معولم خاص، فروسيا لا تستطيع الايفاء بتعهداتها لاوبك لان قطاع صناعة الطاقة الروسي لم يعد خاضعا للدولة، اما النرويج والمكسيك فقررتا منذ وقت طويل السماح لشركات نفطها التي تملكها الدولة بالتحرك وفقا لقوانين القطاع الخاص فيهما.

الى ذلك، وعوضا عن الانطلاق من اسلوب التفكير الذي ساد في السبعينات ينبغي على دول اوبك النظر في اجراء الاصلاحات المطلوبة على سياساتها لتصبح اكثر تناغما مع مستجدات هذا القرن الجديد، اما كيفية ذلك فانه امر يعتمد على الظروف الخاصة بكل عضو في اوبك على حدة.