بقليل من الحكمة يتجاوز الفلسطينيون ضغوط شارون

TT

«حتى تتوقف دائرة العنف والعنف المقاوم المقابل لها على اسرائيل ان تخرج من فلسطين لا ان تخرج فلسطين من موقعها السياسي والجغرافي».

بغض النظر عن حجم الضغوطات الكبيرة العسكرية والسياسية المسلطة على الطرف الرسمي الفلسطيني وعلى مجمل الحالة الفلسطينية (سلطة ومعارضة) من قبل حكومة شارون، من غير المنطقي توتير الاجواء الداخلية الفلسطينية وزيادة حدة التنافر او الاستقطاب بين الاطراف الفاعلة داخل فلسطين، كما من غير المفيد القيام بحملة اتهامات لاذعة من قبل طرف فلسطيني الى اي طرف فلسطيني آخر، خاصة ان الاطراف الذي نالت نصيبها من هذه الاتهامات هي فصائل اساسية من قوى منظمة التحرير الفلسطينية التي يعترف بها العالم، بما في ذلك الامم المتحدة، وبالتالي تملك شرعيتها التنظيمية والسياسية بل والعسكرية في اطار العمل الوطني الفلسطيني، كما هي حال قوى منظمة التحرير والتيار الاسلامي الفلسطيني. فالطرف الاسرائيلي وسع من اتهاماته حتى وصلت الى حركة فتح التي يتزعمها رئيس السلطة الفلسطينية والى قوات امنه الخاص (قوات الـ17).

التطاير بالمواقف السياسية خطأ ومن غير المنطقي ايضا ان يكون الفلسطينيون (سلطة وغيرها) اداة مطواعة تستجيب لعوامل الضغط المختلفة تبعا لسخونة الاوضاع في المنطقة. فالمطلب الاسرائيلي المقدم الى السلطة الفلسطينية باعتقال عدد من كوادر وقيادات الصف الاول في عموم فصائل وقوى المقاومة الوطنية والديمقراطية والاسلامية الفلسطينية طبقا لما جرى في فترات سابقة مع باقي القوى الفلسطينية منذ عام 1994 (الجبهة الديمقراطية، حماس، الجهاد) يشكل وصفة جاهزة وعنوانا جديدا لتخريب الوضع الفلسطيني الداخلي وذر بذور الفرقة والانقسام في صفوف الانتفاضة، بعد عام تميز بالوحدة الميدانية لجميع التيارات والمشارب السياسية والفكرية الفلسطينية.

ايضا، من غير المفيد، ان تصدر اي جهة فلسطينية، او اي طرف آخر في اطارها قرارات لا تخدم تنفيس اجواء الاحتقانات الداخلية الفلسطينية في ظرف يتعرض فيه الجميع لقصف طائرات شارون. فالقرارات التي صدرت باعلان حالة الطوارئ كان يجب لها ان تصب في سياق آخر، وهو اعلان حالة الطوارئ والتعبئة العامة لمواجهة عدوان شارون وليس اي شيء آخر يحظر نشاط وعمل اي من الفصائل والقوى التاريخية التي ساهمت في مسيرة منظمة التحرير منذ ثلاثة عقود ونيف.

وعليه، من غير المفيد كذلك، بل من المسيء ان يعيد البعض نبش التوصيف المنقرض للنشاط الفلسطيني ضد الاحتلال بما في ذلك النشاط في ميدان الانتفاضة باعتباره عملا «ميليشياويا» غير منضبط ومنفلت.

طبعا من غير المقبول التطاير بالمواقف السياسية عند بعض القوى الفلسطينية، وتجاهل حال السلطة الفلسطينية التي لا يحسد وضعها، فهي واقعة تحت سيف الضغط السياسي الاسرائيلي ـ الاقليمي ـ الاميركي، والعسكري الاحتلالي الاسرائيلي المترافق مع عمليات الاجتياحات المتكررة لمناطق من رام الله وطولكرم وجنين وبيت لحم، وبالمقابل فان على مراكز القرار في السلطة ان تعيد النظر بحساباتها الداخلية الفلسطينية ـ الفلسطينية، وان تعيد الاحترام والاعتبار الى القرار الجماعي الفلسطيني الذي امسى ردحا من الزمن اسير التفرد والانفراد، وان تعيد الاعتبار الى المؤسسة الجامعة للشعب الفلسطيني، وهي المؤسسة التي يحلو لبعضنا من الفلسطينيين التحدث باسمها متى شاء، وان يدافع عنها تحت عنوان منع تعدد السلطات، بينما ساهم في الواقع بتحويلها الى اطار ضيق.

ترشيد العمل الفدائي من جانب آخر، علينا ايضا ان نقول بأن امكانيات تجاوز ضغوط المرحلة امكانية ممكنة ومتوفرة، لكن الامر يتطلب من كل القوى والفصائل اشتقاق سياسات واساليب عمل على درجة من الوعي الذي يستجيب لخطورة المرحلة ومحاذيرها، وعليه فان مهام كبيرة تنتظر الفلسطينيين اولها:

* اعادة الاعتبار للبعد الجماهيري والشعبي للانتفاضة بمشاركة اكبر قطاعات الشعب الفلسطيني في الضفة والقدس والقطاع.

* ترشيد العمل الفدائي المقاوم وتوجيهه نحو قوات الاحتلال والمستعمرين وتجنب المس بالمدنيين، فهذا يسحب البساط من تحت شارون الذي يسوق نفسه الآن باعتباره الحمل الوديع الذي يتعرض شعبه ومدنيوه لـ«الارهاب الفلسطيني».

ان تحريم الاعتقال السياسي، واغلاق السجون والمعتقلات، ليس فقط موضع اجماع داخل فلسطين عند جميع القوى الفلسطينية، بما في ذلك حركة فتح التي تمثل حزب السلطة، بل هو مطلب حق عند الشعب الفلسطيني الذي عانى من ويلات وسجون ومعتقلات الاحتلال بما فيه الكفاية. وعليه فان القوى الوطنية والاسلامية دعت في بيانها الاخير الى اطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي الآخر.

ويبقى القول بان التصريحات الفلسطينية المختلفة الصادرة مؤخرا والتي تصب في طاحونة توتير الاجواء الفلسطينية الداخلية لا ضرورة لها، فطريق مواجهة الاحتلال والمستعمرين تتطلب المزيد من وحدة الصف، واعادة الاعتبار للقرار الجماعي الفلسطيني.

وبقليل من الحكمة والتروي نتجاوز المشكلات والضغوط القائمة، ونضمن لانفسنا كفلسطينيين الحفاظ على الحد الادنى من تماسك البيت الداخلي امام المحاولات الخارجية لتدميره فوق رؤوسنا.

* كاتب فلسطيني ـ دمشق