تفكيك حماس والجهاد

TT

بيان وزراء خارجية دول الاتحاد الاوروبي امس غير مسبوق في عباراته وتوجهاته وضغطه على عرفات من خلال مطالبته الرئيس الفلسطيني بتفكيك «الشبكات الارهابية لحركتي حماس والجهاد» واصدار دعوة عامة باللغة العربية تطلب انهاء الانتفاضة المسلحة، واعتقال كل المشبوهين وملاحقتهم قضائيا.

فأولا هذه هي المرة الاولى التي يصف فيها الاتحاد الاوروبي المنظمتين الفلسطينيتين بالارهاب صراحة ويطالب السلطة الفلسطينية بمعاملتهما بهذا الشكل عبر تفكيك شبكاتهما وملاحقة عناصرهما، وثانيا فان دعوة الدول الـ15 للسلطة الفلسطينية بإصدار بيان وباللغة العربية يطالب بانهاء الانتفاضة المسلحة، اي استخدام السلاح في المقاومة الفلسطينية للاحتلال، يحمل مدلولات غير خافية على احد، فهو يلمح بذلك الى انه لا يريد خطابين واحداً باللغة الانجليزية يخطاب الخارج، وآخر مختلفا بالعربية يخاطب الداخل.

ويأتي الموقف الاوروبي في وقت تشتد فيه الضغوط على عرفات من كل جانب، فهو من جهة يتعرض الى ضغط شديد من شعبه الذي يقع تحت القصف واحتلال القوات الاسرائيلية لأراضي السلطة، ومن واشنطن واوروبا في الخارج من جهة من اجل العمل على تهدئة الاوضاع، ومن حماس والجهاد في الداخل اللتين تنافسانه على الشارع الفلسطيني، وتطرحان نفسيهما بدون اعلان كبديل له. كل هذا يأتي في وقت فرضت فيه احداث 11 سبتمبر (ايلول) الماضي والحرب في افغانستان توازنات وتعقيدات جديدة على قضية الشرق الاوسط ومواقف الاطراف الدولية المعنية بعملية السلام في المنطقة.

وتبدو الصورة قاتمة للغاية امام عرفات، فهو من جهة مقصوص الجناحين بسبب ضرب مؤسسات السلطة الفلسطينية واجهزتها الامنية وتقييد حركته، كما ان العنف الاسرائيلي وقصف المدن واعادة احتلال بعض المناطق افقدت السلطة الفلسطينية الكثير من هيبتها، وجعلت الشارع الفلسطيني شديد الالتهاب في غياب اي حل سياسي مطروح، بما يجعل قدرة السلطة على تنفيذ قرارات غير شعبية تجاه منظمات مثل حماس والجهاد تبدو شديدة الصعوبة ان لم تكن مستحيلة في الظروف الحالية.

وقد نجحت حماس والجهاد الى حد كبير في سحب البساط من تحت اقدام السلطة الفلسطينية، وتمكنتا من احراجها، خاصة في العمليات الانتحارية الاخيرة التي جاءت في توقيت كان من الواضح ان هدفه هو قطع الطريق على التحرك السياسي الدولي، ثم جاء البيان الصادر اول من امس من اجنحة عسكرية في هذه المنظمات بعرض الهدنة على الحكومة الاسرائيلية وكأنه رسالة لمن يريد ان يفهم بأننا نحن القيادة التي تملك اطلاق النار وفرض الهدوء وليس السلطة.

ومع التسليم بحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، فإن اساليب حماس والجهاد التي تعتمد على الفكر الانتحاري ولا تفرق بين الاطفال والمدنيين والعسكريين غير مقبولة انسانيا ولا سياسيا، ولم تقد إلا الى خسارة الفلسطينيين تعاطف الرأي العام العالمي.

ومع ذلك فان مضاعفة الضغط على عرفات في وقت جرت فيه عملية إضعاف وإنهاك منظمة لسلطته وبدون أي آفاق سياسية لإنهاء الاحتلال، تبدو مغامرة خطرة قد تقود الى حرب اهلية او نهاية السلطة نفسها.