أثابوه ضربا

TT

اعتدى لاجئون افغان بالضرب المبرّح على الصحافي البريطاني روبرت فيسك حتى اشفى على الموت وكاد يكون الصحافي السابع عشر الذي يقضي في الحرب الحالية. اذن، لا جديد في الامر؟ نعم. ثمة جديد في الامر. فالصحافيون الآخرون قتلهم لصوص او اوباش. اما هنا، في حالة المستر فيسك، فان طفلة صغيرة لم يصلب رسغها بعد، رشقته فجأة بالحجارة، فاتبعها الكبار فرجموه، وما زالوا حتى مرَّ رجل دين فانقذه.

ما الفارق بين روبرت فيسك وبين زملائه الاقل حظاً والذين لم يصدف الى طريقهم رجل دين؟ انه الفارق المأساوي التاريخي، منذ ايام ارسطو، او اذا شئت منذ ايام غاندي. فقد اقام الزعيم الهندي سياسة اللاعنف وحرر بلاده من بريطانيا. وفي النهاية قتل برصاص مهجوس او ممسوس.

منذ ان بدأت حرب افغانستان وروبرت فيسك هو الصحافي الغربي البارز الوحيد، الذي يكتب ضدها. والوحيد الذي يخوض حرب اللاجئين والمساكين وما يلحق بالناس من احزان واسى. فاذا به الوحيد ايضاً الذي يقع في غضبة مجموعة من اولئك الضعفاء الذين فقدوا كل شيء حتى وعيهم، فبدل ان ينهروا طفلة اثارها وجه غريب فرشقته، حولوا الرشق الى رجم وضرب وشج رؤوس.

يكون فقدان الوعي في هذه الحالات جماعياً مثل فقدان الحواس وفقدان الامل وفقدان البيوت وفقدان اي رجاء. ولن يلوم فيسك راجميه. ولن يغير موقعه في كونه يعتبر نفسه اول مناهض للسياسة الغربية حيال العرب والعالم الثالث. وخصوصاً الفلسطينيين. لقد انتقل فيسك مراسلاً «للتايمس» ومن ثم مراسلاً «للاندبندنت» في الشرق الأوسط قبل حوالي عشرين عاماً. وقد التقيته المرة الاولى انذاك في القمة الاسلامية في الطائف. وعندما تعرفت اليه، كان اول ما قاله لي في حدة، وكأنه يكمل حديثاً بدأه مع رجل آخر: «انهم يقولون ان روبرت مردوخ يهودي، من اين يأتي العرب بأخبارهم». وبعد عام او عامين كتب في «التايمس» سلسلة من خمس مقالات مثيرة وشديدة الاهمية. فقد ذهب الى محاورة الفلسطينيين في لبنان ثم ذهب الى البيوت التي قالوا انها كانت بيوتهم وحاور محتليها الجدد. واطلق يومها، او جدد اطلاق نظرية الصكوك وحق الملكية ودعا المالكين الى مقاضاة المتسلطين.

وبعد حرب لبنان، او خلالها بالاحرى، وضع فيسك كتاباً بعنوان «الويل لأمة» وهو المقطع الاول من قول لجبران خليل جبران: «ويل لأمة تحصد ما لا تزرع... الخ». غير ان الطبعة العربية صدرت بعنوان «ويلات وطن»، كما ادخلت عليها بعض التلطيفات التي لا يهم كثيراً صدورها بالانكليزية، اما العربية فجنابكم ادرى.

منذ بداية حرب افغانستان كان فيسك البالغ الآن 55 عاماً، اول المسافرين الى باكستان. ومن هناك كان يكتب، خلافاً لزملائه في «الاندبندنت»، معارضاً الحرب ودخول بريطانيا فيها. وكان يأخذ دائماً الجانب الانساني. واذا كان لا بد من لطم قفاه او هتم اسنانه او وقص عنقه، فقد كان يفترض ان يفعل ذلك رجال المارينز او رجال القوات الخاصة البريطانية. لكن، كالعادة، كان الذين اثابوه عقوقاً هم الذين باكر الى الدفاع عنهم.