أهمية الحوار بين المفكرين الإسلاميين والشباب الإسلامي

TT

بعد انهيار القوة العسكرية لحركة طالبان والافغان العرب، وبعد قيام قوات المجاهدين الافغان مدعومة بالقوات الاميركية بملاحقة قادة وزعماء الافغان العرب وطالبان، فانه ينبغي على المفكرين والمثقفين المسلمين تحمل مسؤوليتهم التاريخية ومصارحة الجماهير الاسلامية بخطورة ظاهرة التطرف والغلو والعنف في المجتمعات الاسلامية. فلقد بدأ الافغان العرب بداية صادقة مخلصة وذهبوا الى افغانستان لنصرة المجاهدين المسلمين ضد الشيوعيين المعتدين، ولكن ماذا حل بالافغان العرب في افغانستان؟ فبعد تورطهم في الحرب الاهلية الافغانية، وبعد اتهامهم بقتل احمد شاه مسعود اصبحوا اليوم ملاحقين من قبل المجاهدين الافغان، وعندما ظهرت حركة طالبان في منتصف التسعينات الميلادية كان الافغان العرب يقاتلون ضمن صفوف المجاهدين الافغان وقاتل بعضهم ضد طالبان وهو الامر الذي جعل طالبان تلاحقهم عندئذ ووصل الامر الى الدرجة التي وجه بها زعيم طالبان الملا عمر تهديدا شديد اللهجة الى الافغان العرب وقال لهم: «اوقفوا نشاطكم او واجهوا مصيركم» (الشرق الاوسط 24/10/1996م). ولقد اقدمت طالبان فعلا على اعتقال مجموعات من الافغان العرب وقيل عندها ان بن لادن كان من ضمنها ثم قيل انه عاد من حيث اتى الى السودان هربا من ملاحقة بعض عناصر طالبان له. فلقد كان بن لادن في ذلك الوقت هاربا ليس من اميركا ولكن من بعض فرسان طالبان. هذه هي حال الافغان العرب فلقد تورطوا في الصراعات الافغانية ثم ورطوا افغانستان في حرب لا قبل للشعب الافغاني عليها، وسوف تنقلب عليهم فصائل طالبان مرة اخرى، وتحاربهم. وبعضهم سوف يموتون في افغانستان على يد المجاهدين او طالبان او يخرجون منها للسجون والمحاكم الدولية او يبقون مشردين في الجبال والكهوف. وكل ذلك يعود الى التطرف والغلو في الدين والى سوء التدبير واتخاذ القرارات والمواقف السيئة.

ولكن نهاية طالبان والافغان العرب لن تكون هي نهاية ظاهرة التطرف والغلو في العالم الاسلامي. وينبغي فهم ومعالجة الظاهرة قبل ان تدفع بالعالم الاسلامي الى مواجهة خاسرة مع الغرب. وليس من المهم في المدى القصير ان نفهم اسباب هذه الظاهرة فأسبابها عديدة ومعقدة، ولكن من المهم ان ندرك الخطر الذي يمكن ان ينجم عنها. والمسؤولية الاولى في توضيح مشاكل وخطورة الغلو والتطرف في العالم الاسلامي تقع ـ كما ذكرت ـ على عاتق العلماء المستنيرين والمثقفين والمفكرين العرب والمسلمين.

فلقد اصبحت ظاهرة التطرف والغلو في العالم ترتبط بشكل خاص بالاسلام والمسلمين رغم انها ظاهرة انسانية عالمية ارتبطت تاريخيا بغير المسلمين اكثر من ارتباطها بالمسلمين، فلقد عانت اوروبا في تاريخها القديم والحديث من ويلات الحروب التي نشأت بسبب التطرف والغلو الديني والسياسي. وعملت الكنيسة قديما على اضطهاد الناس حتى ثاروا عليها، وادى تطرف النازية في المانيا الى قيام الحرب العالمية الثانية التي قتلت ملايين البشر. واذا عدنا الى التاريخ الاسلامي بالمقابل نجد ان حجم التطرف والغلو الديني والسياسي فيه يقل كثيرا عن حجم التطرف والغلو في اوروبا وبعض المجتمعات الاخرى. صحيح ان تاريخ المجتمعات الاسلامية يتضمن الكثير من القتل والظلم السياسي وحروب الفتن الدينية كما يتضمن الكثير من مظاهر ودعوات الغلو في الدين التي ضايقت الناس في حياتهم الاجتماعية، الا ان كل ذلك لا يمكن ان يقارن بمظاهر التطرف والغلو الديني والسياسي التي عرفتها بعض المجتمعات الاوروبية والآسيوية الاخرى. فالضرر التاريخي الذي لحق بالمسلمين وغيرهم نتيجة تطرف المسلمين كان اقل بكثير من الضرر الذي نجم عن تطرف غير المسلمين. هذه حقيقة تاريخية يسهل توثيقها ولكن لا ينبغي على المفكرين المسلمين الاعتماد عليها للتنصل من مواجهة حقيقة خطورة ظاهرة التطرف والعنف الموجودة الآن بين بعض شباب العالم الاسلامي، والتي تشتمل افرازاتها على طالبان وعلى الافغان العرب وعلى الجماعات المتطرفة التي قتلت الرهبان والاطفال في الجزائر والسياح في مصر. ان ظاهرة التطرف والعنف ليست غريبة نهائيا عن التاريخ الاسلامي. فهي ظاهرة قديمة وتعود الى صدر الدولة الاسلامية وما قتلة عثمان بن عفان وعلي بن ابي طالب رضي الله عنهما الا من المتطرفين الاوائل في الاسلام. ويمكننا ان نفهم وجود التطرف والعنف بين بعض الفئات الاسلامية ولكن الملفت للنظر فعلا والذي يدعو الى الاستغراب هو انتشار ظاهرة التطرف بين المسلمين في الوقت الحاضر اكثر من انتشارها بين غيرهم من الامم والمجتمعات الاخرى. فاذا كان التاريخ الاسلامي اقرب الى التسامح من تاريخ الآخرين، واذا اتفقنا على ان الدين الاسلامي ليس دين تطرف وعنف فمن حقنا ان نتساءل عن اسباب تفشي ظاهرة العنف في المجتمعات الاسلامية في الوقت الحاضر. وقد تتعدد الاجابات، وقد نختلف في الاتفاق على اختيار الاجابة الصحيحة، ولكن لا يمكننا تجاهل ما حدث وما يحدث من مظاهر التطرف والعنف بيننا، كما لا يمكننا اهمال حقيقة ان هذا التطرف يمكن ان يقود المجتمعات الاسلامية الى صدام خطير مع الغرب. فجميع الحركات المتطرفة في العالم الاسلامي ترفع الآن شعار الاسلام وكثيرون في الغرب يتساءلون عن طبيعة العلاقة بين الاسلام وبين تطرف الحركات التي ترتدي الثوب الاسلامي والتي اقدمت على قتل الرهبان والسياح والمدنيين باسم الاسلام، وعلى الرغم من ان غالبية المفكرين وعلماء المسلمين يؤكدون للآخرين ان الاسلام بريء من عنف وتطرف بعض الحركات الاسلامية فان غالبية ابناء الغرب الذين لا يعرفون الاسلام على حقيقته اصبحوا يربطون بين الاسلام وبين تطرف وعنف بعض الحركات الاسلامية.

فالعبرة كما يقولون هي في الايديولوجية التي تتبناها الحركات المتطرفة وفي المرجعية التي تنسب تطرفها اليها.

وما دامت الحركات المتطرفة في العالم الاسلامي ترفع شعار الاسلام فان غير المسلمين في العالم سوف يقومون بشكل تلقائي بربط الاسلام بالتطرف. فعلى الرغم من ان غالبية العلماء المسلمين شجبوا حادثة قتل الرهبان في الجزائر قبل عدة سنوات فان ذلك لم يكن كافيا ـ كما يعتقد البعض ـ لازالة الاساءة التي لحقت بالاسلام نتيجة تلك العملية الدموية. ولو ان حادثة قتل الرهبان تمت في ظل الظروف الدولية الراهنة لأدت الى خلق مشاكل عديدة في العلاقات العربية ـ الاوروبية. ولهذا فان المسؤولية الاهم للمفكرين المسلمين في الوقت الحاضر هي ليست مخاطبة الغرب ومحاولة اقناعه بان الاسلام ضد التطرف، ولكن مخاطبة بعض العقول الاسلامية التي يمكن ان تغذي ثقافة التطرف والعنف في المجتمعات الاسلامية بطريقة أو باخرى. ان عقلاء المسلمين يدعون الى الحوار والى التعايش مع الغرب ولا يترددون في شجب وانتقاد اعمال العنف والتطرف التي تمارسها بعض الحركات الاسلامية. ولكنهم مقصرون في محاورة الشباب الاسلامي محاورة عاقلة مستنيرة غير عاطفية ومساعدته على فهم واقع العالم الحالي السياسي والاقتصادي والعسكري. ولكن المفكرين الاسلاميين المعتدلين يواجهون الآن مسؤولية مخاطبة بعض المسلمين الذين لم يدركوا حتى الان خطورة الصدام والمواجهة مع الغرب. لقد رأيت متحاورا اميركيا يقرأ في احد مؤتمرات الحوار بين الاسلام والغرب فتوى لاحد علماء المسلمين المعروفين والتي تضمنت رأيه بعدم جواز السلام على غير المسلمين من قبل المسلمين. وطرح المتحاور الاميركي السؤال التالي على المفكرين المسلمين المشاركين في المؤتمر: هل هذا صحيح من وجهة النظر الاسلامية، وكيف يمكن لنا ان نتحاور اذا لم نبدأ بالسلام على بعضنا البعض.

ولقد بذل المشاركون المسلمون في المؤتمر قصارى جهدهم في توضيح مكامن الخلل الشرعي في تلك الفتوى. وقبل عدة سنوات قام اعلامي اميركي بارز باخراج فيلم تلفزيوني عن الجهاد في الاسلام وركز فيه الاضواء على الاصوات المتشددة في العالم الاسلامي التي تدعو الى الجهاد ومحاربة الكفار وتضمن الفيلم تسجيلا لامام مسلم يتحدث باللغة العربية في احد مساجد اميركا ويدعو الى محاربة وقتل الكفار. ولقد اثار ذلك الفيلم رد فعل اعلاميا كبيرا في اميركا واوروبا وجعل الكثيرين من الاميركيين والاوروبيين يتساءلون عن جدوى الحوار مع المجتمعات الاسلامية التي ظهرت بمظهر من يدعو الى محاربتهم وقتلهم.

ولهذا فان اهمية حوار المسلمين مع الغرب في الوقت الحاضر لا تقل عن اهمية حوار المسلمين مع المسلمين، والحوار المطلوب الآن في الساحة الاسلامية هو حوار اسلامي اسلامي حول بعض القضايا الجوهرية التي تتصل بعلاقة الاسلام بالغرب. والمطلوب ايضا هو حوار المثقفين والمفكرين الاسلاميين مع الشباب الاسلامي الذي يطالب بجهاد الغرب ومحاربته وبدعم القاعدة وطالبان.

فلا يكفي ان نقول للآخرين ان الاسلام يرفض العنف والتطرف والغلو، ولكن ينبغي ايضا ان نوضح لشبابنا المسلم رفض الاسلام لمبادئ طالبان ومبادئ القاعدة.