أخناتون الفرعون المفترى عليه

TT

وصفوه بأنه الفرعون المخنث؛ لاعتقادهم أنه لم يكن مكتمل الذكورة، بل ويجمع بين المظاهر الأنثوية والذكورية في جسده وكان دليل علماء المصريات الذين وصفوا أخناتون بذلك هو تماثيله التي عثر عليها بمعبد الكرنك؛ والأسلوب الفني المميز الذي تم تصويره به على جدران المعابد والمقابر واللوحات التميمية التي حرص مريدوه على اقتنائها في مدينة أخناتون الفاضلة – تل العمارنة. وأدلى أحد علماء الطب بجامعة بيل الأميركية بدلوه في الموضوع وقال بأن الشكل الأنثوي لأخناتون نتج عن تحول جيني، وأن الهرمونات الأنثوية قد غلبت أو تعادلت مع تلك الذكورية؛ وأضاف بأن رأس أخناتون كانت ذات شكل ممسوخ نتيجة التآم عظام الجمجمة في سن مبكرة.. والغريب أن هذه النتائج لم تعتمد على دراسة لمومياء أخناتون وإنما من خلال الهيئة التي صور بها في التماثيل واللوحات! والكلام السابق أيده عالم آخر كندي قال: إن أخناتون كان يعاني مرضا مزمنا يسمى مارفان Marfan ويسببه خلل جيني يؤدي إلى استطالة أجزاء من الجسد، وعارضه علماء آخرون قالوا بأن المرض الذي يعاني منه أخناتون هو Froehlich المزمن الذي يؤدي إلى ظهور المظاهر الأنثوية على جسد المريض ويسبب العقم. وبعد هذا الجدل بين علماء طب ومصريات على تحديد المرض الذي كان أخناتون يعاني منه بدأت قائمة طويلة من أسماء الأمراض تظهر وأصبح الكل يدلي بدلوه في المعضلة الأخناتونية.

ولم يكن هذا بالطبع غريبا فأخناتون هو أحد أشهر فراعنة مصر القديمة على الإطلاق لأنه يعتبر أول الفراعنة الموحدين، والذي ألغى عبادة آلهة متعددة، وقال بأن خالق الكون والكائنات هو الخالق الواحد الأحد، وكانت مشكلته أنه أخذ من الشمس مظهرا من مظاهر قدرة الإله الواحد؛ فظهر كما لو كان يتعبد للشمس، والحقيقة أن أخناتون كان يؤمن بالإله الواحد خالق الكون كله. والغريب أن من أرادوا أن يشتهروا على حساب أخناتون خرجوا علينا بتفسيرات من قبيل أن أخناتون كان نبيا؛ أو أنه كان مختلا عقليا، وقال بعضهم بأنه كان مهرطقا أي كفر بديانة أجداده واختلفوا حول الأسباب التي دفعته إلى ذلك.

ونتيجة للجدل الكبير حول أخناتون قمت والفريق المصاحب لي في مشروع دراسة المومياوات الملكية بوضع أخناتون على رأس قائمة المومياوات الملكية المراد دراستها، وكان علينا أولا تحديد مومياء الملك والتحقق من وجودها. وبعد دراسة مستفيضة لكل مومياوات عائلته المؤكدة، أثبتت تحاليل الحامض النووي DNA أن مومياء المقبرة 55 بوادي الملوك هي مومياء أخناتون. وبدراسة المومياء عن طريق الأشعة المقطعية توالت المفاجآت؛ حيث اكتشفنا أنه كان رجلا عاديا لا يعاني أي عيوب خلقية على الإطلاق ولم يكن بجسده أي خلل هرموني أو جيني، وأنه كان مكتمل الذكورة بدليل أنه أنجب ست أميرات من زوجته نفرتيتي وعلى الأقل ذكرا واحدا من زوجة أخرى وهو من تولى العرش من بعده وعرف باسم توت عنخ أمون. وتأكدنا أن وفاته كانت طبيعية وفي سن تخطى الستين عاما. أما ما ظهر في تماثيل ولوحات أخناتون فكان مجرد أسلوب فني مميز؛ يعبر عن الديانة الجديدة الأتونية.. ولا تزال أسرار الفراعنة تتكشف يوما بعد يوم.