اعتماد المرضى على الدواء فقط من دون تغيير سلوكياتهم

TT

أثار باحثون من جامعة كاليفورنيا مشكلة اعتماد المرضى على تناولهم الدواء في معالجة الأمراض من دون بذل مزيد من الاهتمام باتباع السلوكيات الحياتية التي ثبتت جدواها في تخفيف حدة المرض. وتشير المصادر الطبية إلى أن هذه المشكلة شائعة في جميع المجتمعات، وشائعة أيضا بين مرضى الأنواع المختلفة من الأمراض. وعلى سبيل المثال، فإن كثيرا من مرضى السكري لا يُبالون بالالتزام بالحمية الغذائية اعتمادا منهم على تناول دواء خفض السكر أو تلقي حُقن الإنسولين، وكذا مرضى ارتفاع ضغط الدم الذين يعتمدون على تناول أدوية خفضه ويهملون تقليل تناول الصوديوم وممارسة الرياضة البدنية وخفض وزن الجسم وغيرها من السلوكيات الحياتية التي ثبتت جدواها طبيا في معالجة أمراضهم.

والواقع المشاهد طبيا أن بعض المرضى يصرحون باعتقادهم أن الدواء يغطي عدم الاهتمام بالصحة، وبعضهم الآخر يعتقد أن تناول الدواء ضمانة كاملة لمعالجة المرض، وهما أمران غير صحيحين البتة. وتأتي هذه الدراسة لتؤكد وجود هذه المشكلة أيضا بين مرضى اضطرابات الكولسترول. ووفق ما جرى نشره ضمن عدد 24 أبريل (نيسان) الماضي لمجلة «جاما للطب الباطني»JAMA Internal Medicine، قام الباحثون بمقارنة التزام المرضى الذين يتناولون أحد أنواع أدية فئة «ستاتين» statin drugs الخافضة للكولسترول في عامي 2009 و2010 بالحمية الغذائية، ومقارنتهم بمدى التزام أقرانهم المرضى، أي الذين يتناولون الأدوية نفسها، بالحمية الغذائية قبل عشر سنوات، وتحديدا، الالتزام بتناول وجبات غذائية منخفضة السعرات الحرارية ومنخفضة أيضا في محتواها من الشحوم والكولسترول.

ولاحظ الباحثون في نتائج دراستهم أن متناولي أدوية الستاتين الحاليين يتناولون وجبات طعام أعلى بنسبة 10 في المائة في محتواها من طاقة السعرات الحرارية، وأعلى بنسبة 15 في المائة في محتواها من الشحوم، وذلك بالمقارنة مع أقرانهم في عامي 1999 و2000. وقدم الباحثون نتائج دراستهم أيضا ضمن فعاليات المؤتمر السنوي للمجمع الأميركي للطب الباطني العام الذي عُقد أخيرا في دينفر بولاية كولورادو الأميركية.

وعلق تيكهيرو سيغياما، الباحث الرئيس في الدراسة، بالقول: «نعتقد أن هذه أول دراسة كبيرة تُظهر أن المرضى متناولي أدوية الستاتين هم أكثر تناولا لوجبات غذائية أعلى في محتواها من طاقة السعرات الحرارية والشحوم، مقارنة بالحال بينهم قبل عشر سنوات». وأضاف أن «متناولي أدوية الستاتين يُمثلون حاليا سُدس البالغين، ونحن بحاجة للتأكيد عليهم بأهمية التغيرات الصحية في وجبات طعامهم اليومي، خصوصا مع تفشي مشكلتي السمنة ومرض السكري في المجتمعات»، في إشارة منه إلى دور زيادة طاقة السعرات الحرارية في التسبب بمشكلة السمنة ورفع احتمالات الإصابة بمرض السكري. واستطرد في التوضيح أن متناولي أدوية الستاتين الحاليين لا يُدركون مدى الحاجة إلى اتباع الحمية الغذائية الصحية ولا إلى ضرورة ضبط وزن الجسم ضمن المعدلات الطبيعية.

وبغض النظر عن أسباب هذا السلوك، فإن تناول مزيد من الشحوم المشبعة يتبعه ارتفاع الكولسترول، وهو ما يُقلل من جدوى وفائدة تناول أدوية ستاتين. وزيادة الوزن بفعل زيادة طاقة السعرات الحرارية في الطعام يتبعها ارتفاع احتمالات الإصابة بالسمنة والسكري وارتفاع ضغط الدم وغيرها من الأمراض التي ترفع من مخاطر الإصابة بأمراض الشرايين والسكتة الدماغية. وطرح الباحثون ضرورة عمل الأطباء على تنبيه المرضى هؤلاء إلى ضرورة إدراك أن الهدف الأساسي من خفض الكولسترول هو خفض احتمالات الإصابة بأمراض الشرايين القلبية والسكتة الدماغية، وهو ما لا يتحقق فقط بمجرد تناول دواء «ستاتين»، بل بنجاح خفض الكولسترول إلى المعدلات الطبيعية، وحفظ وزن الجسم كذلك ضمن المعدلات الطبيعية، وضبط الارتفاع في نسبة السكر بالدم، وضغط الدم.

وتأتي نتائج الدراسة هذه مع زيادة تفشي شعور كثير من المرضى المُصابين بأنواع شتى من الأمراض، بأن الاعتماد في معالجة المرض يكون على تناول الدواء، وهو أمر غير صحيح، بل هو منظومة من الوسائل العلاجية التي منها الدوائي ومنها السلوكي ومنها الوقائي. ومن دون تبني تلك الاستراتيجية العلاجية تغدو الأدوية عبئا على الجسم بزيادة الحاجة إلى رفع جرعاتها المتناولة يوميا، بكل تبعات ذلك على سلامة أعضاء الجسم والتفاعلات العكسية والآثار الجانبية.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]