صناديق وبراميل وتوابيت!

TT

الابن الذي لم يكن اختيار أبيه الأول يريد أن يقنع العالم أن السوريين سيصوتون له «بمحض إرادتهم» في مشهد هزلي ساخر انتشرت لوصفه الطرائف والنكات أكثر من التحاليل السياسية نفسها. بشار الأسد قرر في اللحظة الأخيرة (لزوم الدراما والإثارة) بعد أن حبس أنفاس أنصاره وهم يبدون قلقهم من مخاوف عدم ترشحه، وكم كان مشهدا ساخرا ومثيرا للشفقة في آن حينما تم استضافة النائب في مجلس الشعب السوري خالد العبود، وسألته مذيعة التلفزيون السوري الرسمي: «ماذا لو لم يترشح الرئيس بشار الأسد في انتخابات الرئاسة القادمة؟»، فانتفض وصرخ في وجهها وقال: «شو على كيفو الشغلة؟ يسترجي ما يترشح؟ أي غصب عنو بدو يترشح».

من رئيس جاء للمنصب بالوراثة والدستور المفصل على المقاس ومجلس الشعب الذي بصم على التعديل وصاح بأعلى صوته «آمين» وهو يرتعد في مشهد كوميدي غير مسبوق، إلى إعادة انتخاب تلقائي بلا منافس، إلى مرشحين تجاوز عددهم السبعة عشر مرشحا؛ مرشحين بكل شكل وكل مقاس وكل طائفة، مرشحين بالتفصيل المبالغ فيه حتى تظهر البضاعة في «الفاترينة» أمام العالم بشكل لائق.

وها هم السوريون يسخرون من هذا المشهد ويسمونه «العرس الديمقراطي» فيتندرون بين أنفسهم، البعض يتساءل «شو نوع الفستان اللي بينلبس لهيك عرس؟ كوكتيل أم سهرة؟» فيرد أحدهم: «ليش هو في ضل شيء ينلبس؟»، ولم يكن كم التعليقات المضحكة تصدر من عناصر الثوار والشعب المعارض وحده ولكن حتى النظام نفسه تصدر منه طلبات وتعليمات هي أشبه بالنكات؛ فالتعليمات الأخيرة التي صدرت للشعب السوري بعدم الاحتفال بمناسبة ترشح الرئيس بشار الأسد لنفسه في الانتخابات الرئاسية وذلك بإطلاق أعيرة نارية في الهواء لما في ذلك من خطورة شديدة على الناس، وهذا يحدث ويقال وسط أجواء غير مسبوقة تشهد نظاما يدك ويدمر ويقصف مدنه ويسوي أحياءها بالأرض بوسائط مختلفة مثل البراميل والصواريخ والقذائف والكيماوي بشكل جنوني وهمجي يحصد فيه العشرات من القتلى بشكل يومي في كل مدينة من مدن سوريا المستهدفة. ليس الغرض من هذه الانتخابات هو الوصول إلى المنصب الأكبر في البلاد، فجدارة الانتخابات مطرح شك وريبة غير قليلتين، وذلك بسبب تهجير الملايين من السوريين خارج البلاد ووضع عشرات الآلاف خلف القضبان، ولكن لإحداث حالة إضافية من الكسر والإذلال وإفهام من تبقى أن شعار «الأسد أو نحرق البلد» وشعار «الأسد إلى الأبد وإلى ما بعد الأبد» وغيرهما هي ليست لوحات رفعت وعلقت على المباني والشوارع ولكنها «عقيدة» يؤمن بها نظام مستعد لتقديم القرابين من الشعب بشكل جماعي الواحد تلو الآخر في سبيل تحقيق الهدف وهو أن تختزل سوريا، وهي صاحبة حضارة لا تقل عن خمسة آلاف سنة، في اسم الأسد وابنه لتصبح بشكل معيب «سوريا الأسد» ولأجل ذلك وظفت أجهزة الرعب والخوف لترحيل وتهجير وتطفيش أبناء البلد غير القادرين على تحقيق هذا الهدف أو القبول بالعيش فيه.

العالم كله يلام على ما وصل إليه حال الشعب السوري الكريم حتى يضطر لقبول مسرحية إجرامية اسمها انتخابات رئاسية ببطولة حاكم نظام مجرم قاتل لشبعه. أخجل في النظر والتحدث إلى كل سوري شريف اليوم لأن المجتمع الدولي خذله وترك نظاما مجرما تسانده قوى إرهابية مثل حزب الله والنصرة وداعش وكتائب أبو الفضل العباس تقتل فيه وتحرم أطفاله ونساءه وشيبانه من الأمان والكرامة. كلنا ساهمنا في الوصول لهذا المشهد الهزلي ولكن المسرحية لم تنته فصولها بعد، فالبطل الذي يعتقد أن المشاهد العظيمة ستكون بفتح الستارة والتصفيق الهزلي لفرق «بالروح والدم نفديك يا بشار» لا يعي أن المشهد الأخير سيكون بطله هو أيضا ولكن وقت أن يسجله التاريخ كأسوأ من دمر بلاده وحكم شعبه وذلك بعد نهاية حقبته.

بشار الأسد مصيره مع القذافي وصدام حسين وبوكاسا وبول بوت وغيرهم من الحكام المستبدين. مسرحية أبطالها صناديق انتخابات وبراميل موت وتوابيت دفن لا يمكن أن يكتب لها النجاح أبدا.