جهاد خطف البنات!

TT

بوكو حرام تعني تحريم التعليم الغربي، وهو اسم الجماعة المتشددة التي تتبنى أفكار «القاعدة» وتنشط منذ سنوات تفجيرا وقتلا وخطفا في نيجيريا أكبر البلدان الأفريقية سكانا واقتصادا، والهدف المعلن لهذه الحركة هو تطبيق الشريعة الإسلامية على طريقة فكر طالبان في أفغانستان في كل ولايات نيجيريا التي ينقسم سكانها تقريبا إلى مسلمين ومسيحيين.

تسببت أعمال العنف المرتبطة بجماعة بوكو حرام بنحو عشرة آلاف قتيل حتى الآن، وهي بنفس أساليب الجماعات التي تتبنى نفس الفكر المتطرف في مناطق جغرافية أخرى في العالم مستغلة مشاكل عرقية أو إثنية أو خلافات طائفية في إيجاد ثغرات تنشط من خلالها في هذه الجماعات.

لكن بوكو حرام ابتدعت بصمتها الخاصة أخيرا بعملية خطف أكثر من 200 فتاة من مدرستهن بينما كن يؤدين الامتحانات، على طريقة عصور الظلام قبل أن تتحضر البشرية عندما كانت القبائل أو الجماعات المتقاتلة تختطف نساء منافسيهم ليأخذونهن سبايا أو غنائم حرب، وهي أعمال لم تكن تقتصر في تلك الأزمان على شعوب أو عرقيات أو أديان معينة لكنها كانت طريقة مألوفة؛ لذلك أطلق على هذه الحقب وصف عصور الظلام، خاصة في القرون الوسطى.

بماذا بررت بوكو حرام عملية خطف التلميذات من مدرسة؟ وهي بالقطع ليست هدفا عسكريا محصنا، أو مؤسسة حكومية.. قالت الجماعة بأنه أصلا من الخطأ أن تتلقى البنات التعليم في المدرسة، وأنه كان يجب تزويجهن وليس إرسالهن للدراسة، وخرج قائد هذه البوكو حرام في شريط فيديو، وهو إحدى أدوات نتاج الحضارة الغربية التي ترفضها هذه الجماعة ليعلن رسالته وهي اعتبار التلميذات سبايا وأنه سيجري تزويجهن بالقوة أو بيعهن! وهي محاولة لوضع غطاء آيديولوجي على عمل إجرامي يدل على فكر عصابات منحرف يسيء بالدين الإسلامي عندما تتمسح جماعات مريضة عقليا بهذا الدين في تبرير إجرامها.

ليس هناك مستقبل أو أمل لهذا الفكر، أو مثل هذه الجماعات بالمنطق السياسي، فهذه الأعمال تنفر أي أشخاص طبيعيين في أي مجتمع، فحتى لو كانت هناك مشاكل أو مظالم معينة فإن مثل هذه الجماعات كل ما تفعله بأعمالها الإرهابية هو تعطيل المجتمعات عن إصلاح نفسها في إطار سياسي سليم وإثارة الفوضى والتخريب، وكأن مهمتها في الحياة هي التدمير وإسالة الدماء.

وفي كل الدول التي وجدت فيها هذه الجماعات منفذا أو أرضية للعمل مستغلة فراغا سياسيا أو أمنيا معينا، ازدهرت عمليات القتل والتفجير والتفخيخ ونشر الفوضى عدوة أي تقدم وتنمية، والأمثلة كثيرة من أفغانستان إلى المناطق التي تنشط فيها «قاعدة المغرب العربي»، والصومال واليمن والعراق، وحتى سوريا.

وسوريا أوضح مثال على الفكر المريض لهذه الجماعات وكيف يمكنها تخريب انتفاضة للحصول على حريات سياسية، فوسط هذه الأزمة قدمت الجماعتان المتطرفتان «جبهة النصرة» و«داعش» نماذج على أساليب العقليات المريضة بأعمال العنف المرعبة التي أخافت السكان، وتحولتا في النهاية إلى قتال بعضهما، وهو نفس ما حدث في بلدان أخرى عندما انتشرت جماعات متنافسة من نفس هذا الفكر المتشدد. لقد اخترعت هذه الجماعات أشكالا غريبة من أعمال العنف والإجرام في التفخيخ والتفجير العشوائي الذي لا يفرق بين أحد، ووصل الأمر كما يبدو الآن إلى خطف البنات.