دبلوماسية العلماء

TT

مثل كل عربي آخر (تقريبا) أمضي العمر متسائلا عن أسباب فشلنا ونجاح سوانا. لماذا - مثلا - نحن اليوم شاشة الخراب الوحيدة على خريطة الأرض؟ لماذا نحن في مقدمة المتأخِّرين ومؤخرة المتقدِّمين؟ لماذا نحن نقع دائما إلى جانب زيمبابوي والكونغو (بضفتيها) ولا نقترب مرة واحدة، في قياس واحد، من فنلندا أو بولندا أو آيسلندا أو هولندا؟

كل مرة نعثر على سبب إضافي. ليس لنجاح الآخرين، بل لفشلنا. للمرة الأولى أعرف أن من مهام الدبلوماسية الأميركية في الخارج البحث عن العلماء وتشجيعهم على السفر إلى أميركا بكل أنواع الإغراءات. كن عالما وكفى. يقول جون غونثر دين، الذي عمل سفيرا لدى لبنان ومناطق قتال أخرى، إن مهمته في البدايات كانت تشجيع العلماء على السفر لإغناء بلاده بالاختراعات والاكتشافات والتقدم، لأنها الثروة الحقيقية الكبرى. قرأت كتاب دين «منطقة الخطر» بحثا عن تجربته في لبنان، فوجدت فيه سر النموذج الأميركي: أهل العلم.

كان بعض هؤلاء أعداءها في الحرب العالمية الثانية، وبدلا من أسرهم وإعدامهم، جاءت بهم إلى هنا ليبنوا لها أهم الصناعات والأسلحة. انتهت الحرب لكنها لم تتوقف عن البحث عنهم في كل مكان، من بريطانيا إلى فرنسا إلى مصر إلى لبنان إلى أفريقيا. الأرقام التي تقرأُها عن أعمال شركات الأدوية تكفي وحدها لتغيير مستوى المعيشة في العالم الثالث.

كلما جئت إلى أميركا وجدت في الأسواق شيئا جديدا، تظنه بسيطا عاديا لا قيمة له، لكن خلفه تجارب بلا حدود. مثلا القنبيط الأخضر، الناتج عن تلقيح بين الأبيض والأخضر، من أجل دمج الفوائد الصحية. مثلا الحجارة الحارة، أو البركانية، لآلام الظهر، ورجاء لا تسألني كيف تُصنع. كل ما أعرفه أنها حصى باردة، إذا ألصقتها على ظهرك ارتفعت حرارتها وخفت آلامك.

أصبحت أميركا أكبر قوة اقتصادية في العالم لأنها لا تتوقف عن التقدم. في عصر ما يسمى الـ«سوفت وير» تتنافس «أبل» و«سامسونغ» الكورية الجنوبية على شق آفاق ما بعد الحداثة العلمية. لم يعد لكلمة خيال أي معنى، ولا بد من ابتكار كلمة أخرى تصف هذه الروابط التي لا تصدَّق بين عروق الأرض وشعيرات الأثير.

يقال إن الصين سوف تأخذ مكان أميركا قريبا في المرتبة الاقتصادية الأولى. حققت ذلك عندما تحوَّلت من المسيرة القصيرة في العلوم. الآلة ألغت كلمة مجاعة من الهند والصين ومكَّنت روسيا من وقف استيراد القمح من «الإمبرياليين» في أميركا وكندا.

العصر الفلاحي كان قادرا على إطعام العصافير والخيول. العالم اليوم في حاجة إلى اختراع كل يوم يواجه تكاثر البشر وتغير أنماط الحياة.