تحولات مفزعة في عالم الإرهاب!

TT

هل ثمة صحوة أوروبية متأخرة فيما يخص موضوع الإرهاب؟! المؤشرات تقول: نعم، إنها بداية صحوة متأخرة سببها الخوف على الذات أكثر من كونها تصورا واعيا لحجم وخطورة وارتداد العنف المسلح من قبل المجموعات المسكوت عنها أوروبيا لزمن طويل، بسبب محاذير فيما يتصل بحقوق الإنسان.

قبل فترة وجيزة ثارت ضجة في النرويج بسبب اعتقال شاب نرويجي من أصل باكستاني، بعد إصابته في معارك بسوريا، وقبلها صرح شاب نرويجي من أصول عربية بنفي الإرهاب عن مشاركته في القتال قائلا: «نحن نقاتل نظاما يذبح الأطفال والنساء.. لا وجود للإرهاب هناك»!

وإذا كانت المصادر تتحدث عن عدد لا يزيد على الـ20 مقاتلا يحملون الجنسية النرويجية، فإن رد الفعل كان سريعا، حيث تستند السلطات النرويجية إلى القانون رقم «147 - د» الخاص بمكافحة الإرهاب، الذي ينص على «السجن ست سنوات لكل من يقوم بتأسيس أو تكوين أو المشاركة أو تجنيد أعضاء أو تقديم الدعم المالي أو الدعم اللوجستي، لمنظمة إرهابية تقوم بأعمال غير قانونية».

هذا التشريع النرويجي مثير للإعجاب رغم ضآلة حجم المشاركة، إلا أنه يعد خطوة أولى في حرب وصفها منذ سنوات العاهل السعودي الملك عبد الله بأنها حرب طويلة جدا.

«داعش» التنظيم الإرهابي الوحشي، الذي جمع بين عنف «القاعدة» وسلوك العصابات واستقطاب كوادر عالمية، بل الإعلان عبر «تويتر» وشبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت طلب وظائف للالتحاق به، أصبح نقطة جذب للمقاتلين الأجانب أكثر من العرب، بسبب اختلاف نمط التجنيد بين الإرهابيين القادمين من الغرب، والشباب العربي، فالمقاتلون العرب يجري تجنيدهم عبر تكنيك التنظيم الشبكي القائم على اصطياد الكادر من ضمن قائمة المعارف، بخلاف الكوادر الغربية التي ترتبط عادة بخلايا نائمة سابقا، والآن بعد عولمة الإرهاب وتحول «القاعدة» وأخواتها إلى شبكة عابرة للحدود، يجري التجنيد بشكل شخصي عبر الإنترنت وبأعداد محدودة قائمة على جاذبية الفكرة واصطياد لحظة «سقوط نفسي» ما (هناك العديد من الفتيات والشبّان الغارقين في أسلوب الحياة الغربية، انضموا إلى (داعش) خلال الأشهر الماضية).

الأزمة السورية كما أفرزت أنماطا جديدة من التحالفات السياسية، والتبريرات الثقافية للدفاع عن النظام الأسدي الدموي، أفرزت نوعيات جديدة من المقاتلين غير التقليديين، لذلك تغيرت جغرافيا العنف بشكل يستدعي قراءات جديدة لهذه التحولات الكبيرة في العقل الإرهابي خلال ثلاث سنوات من الأزمة السورية، وهو للأسف ما لم يحدث بشكل جاد للآن.

هناك أكثر من 78 جنسية تقاتل في سوريا. وعلى مستوى المقاتلين العرب، هناك مفارقة جديدة بحاجة إلى تأمل طويل، حيث تراجع سلم الترتيب الذي كان عادة ما يملؤه المقاتلون من الخليج واليمن والدول الحدودية لمنطقة التوتر، لترتفع نسب مشاركة مقاتلين قادمين من دول «الربيع العربي»، وهو ما يعني عودتهم لاحقا إلى دولهم الأصلية، تخيل أن دولة بحجم تونس فقدت ما يقارب 2000 مقاتل، وليبيا 1500، ثم العراق، فالأردن وفلسطين ولبنان، بينما الأرقام تتحدث عن 700 سعودي وخليجي؛ أكثر بقليل من عدد المقاتلين من دولة كالشيشان!

وهذه الأرقام رغم أنها أولية وتقريبية، فإنها تؤكد ما تحدثت عنه سابقا من تحولات كبيرة على الساحة الإرهابية في سوريا تعبّر عن «موجات جديدة» لا تشبه سابقاتها، ويمكن قراءة انخفاض الأعداد من الخليج والسعودية من زاوية تحول في إدراك عمق الأزمة، والتشريعات الجديدة، والوعي المجتمعي المتحسّن، لكنه يجب ألا يلهينا عن أن ثمة تغيرا على الأرض بسبب الصراع على الشرعية بين نماذج الإرهاب الجديدة من «داعش» و«النصرة» و«القاعدة»، إضافة إلى مسألة مهمة لدى المجموعات المتطرفة التي تحركها رموز شرعية، حيث تهتم بما يسمى «الراية البيضاء»، وهو مصطلح جهادي يعني شرعية القتال بعيدا عن أخطاء كالتي ترتكبها «داعش».

الاتحاد الأوروبي يعتزم عقد اجتماعات ومؤتمرات مطولة عن ظاهرة الإرهاب الجديد، لا سيما بعد بروز مقاتلين أجانب (هناك الآن كتائب جهاد فرنسية، وكتيبة ألمانية باسم «ملة إبراهيم»!)، إضافة إلى ارتفاع العدد لمواطني الاتحاد الأوروبي ليصل إلى 1200 مقاتل، أغلبهم مع «داعش» التي تتميز بحدود جغرافية خاصة بها في هلال يمتد من شرق سوريا، ويشمل دير الزور فالرقية وإدلب، وصولا إلى اللاذقية، بينما تختص منطقة الغوطة بالمقاتلين العرب الذين لا يرحبون بالأجانب باعتبارهم كوادر عشوائية لا تمثل ثقافة وإرث «القاعدة» الذي يمتد لأربعة عقود.

هذه التحولات في عالم الإرهاب تدعو لمخاوف كبيرة، وإذا كان الربيع العربي قد خلف فوضى وتشرذما مفاهيميا وقيميّا وسياسيا ما زلنا نصطلي بأواره حتى الآن، فهل يمكن لنا أن نتخيل عواقب «ربيع القاعدة» المقبل بقوة؟!

[email protected]