النووي الإيراني بين 20 يوليو أو 20 فبراير المقبل

TT

«لست متشائما تجاه المفاوضات، إلا أن الوصول إلى الاتفاق خلال الأشهر الستة الأولى يعود إلى الطرف الآخر ومدى استعداده للتعامل الصائب». ينتهي هنا حديث الرئيس الإيراني حسن روحاني ليأتي بعده تصريح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف حين سُئل عن إمكانية تمديد الفترة قائلا: «وفقاً لاتفاق جنيف فإن المفاوضات بين إيران ومجموعة 5+1 مقرر لها أن تصل إلى نتيجة خلال عام، وإن الاتفاق يتضمن مرحلة أولية لفترة ستة أشهر نأمل الوصول إلى نتيجة فيها، وهو رهنٌ بحسن نيات الطرف الغربي».

إذن يمكن أن نستشف بين ثنايا ما تقدم أن مسألة الوصول إلى الحل النهائي أمر قادم، وتبقى الإشكالية في الوقت المطلوب للوصول إلى ذلك، ليُعاد التساؤل القديم المتجدد: هل ستصل إيران مع مجموعة 5+1 إلى اتفاق الحل النهائي مع نهاية الأشهر الستة الأولى للاتفاق المؤقت بين الطرفين؟

ننطلق مع القارئ لتناول بعض الجوانب التي علها تحقق بعض المقاربات في هذا الشأن.

بدايةً انطلقت الأسبوع الماضي مفاوضات الخبراء بين إيران ومجموعة «5+1» في نيويورك حول الخطوة النهائية لاتفاق جنيف «برنامج العمل المشترك»، الذي يأتي تمهيداً لاجتماع الخبراء السياسيين في فيينا الأربعاء القادم للإعداد لنص الاتفاق الشامل للبرنامج النووي الإيراني.

إن مسألة الإعداد لنص الاتفاق الشامل قبل انقضاء المدة بشهرين تعطي مؤشرات إيجابية لإمكانية الوصول إليه. فهل من الممكن تحقيق ذلك؟

تتمثل أهم النقاط التي يمكن الارتكاز عليها في مسألة إمكانية استقراء ذلك في التالي:

1. تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتنفيذ البنود السبعة المتفق عليها.

2. مفاعل آراك النووي.

3. نوعية أجهزة الطرد المركزي وعددها.

4. نسبة التخصيب.

5. آلية التفتيش على المواقع النووية.

6. رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران.

فبالنظر إلى تعاون إيران مع الوكالة الدولية فإن التقارير الواردة من هذه الوكالة تؤكد مضي إيران الجاد في تعاونها معها، وتمثلت الزيارة الأخيرة لمفتشي هذه الوكالة لإيران الأسبوع الماضي استكمالاً للبنود السبعة المتفق عليها في فبراير الماضي، والتي تضمن بعضها زيارات لمواقع نووية وكذلك مناجم اليورانيوم، كما يمكن اعتبار تقديم إيران لمعلومات حول أجهزة تفجير لها تطبيقات عسكرية محتملة، خطوة جادة للتوصل إلى الاتفاق النهائي ورفع الضبابية عن هذا البرنامج وأبعاده العسكرية.

ويأتي توصل إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى اتفاق على الصيغة النهائية لكيفية وضمانات تفتيش مفاعل آراك، ليؤكد الاهتمام الإيراني برفع الهواجس حول هذا المفاعل، الذي جاء مرارا على لسان رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيراني علي أكبر صالحي وكبير المفاوضين عباس عراقجي حول إمكانية إجراء تعديلات فنية تزول معها التخوفات.

وحين ننظر إلى المثل القائل «تكمن الشياطين في التفاصيل» فإن هذا الأمر يصدق على مسائل من قبيل نوعية أجهزة الطرد المركزي وعددها، فالتسعة عشر ألف جهاز طرد مركزي التي بحوزة الجانب الإيراني، لن يقبل بها الطرف الآخر، وسوف يسعى إلى تخفيضها إلى أدنى حد قد يصل إلى 3000 جهاز طرد مركزي، ويأتي السؤال هنا: هل ستقبل إيران بذلك؟ وهل هناك إمكانية للوصول إلى رقم مُرضٍ للطرفين؟

هذا الأمر لا شك في أنه لن يكون بعيداً عن نوعية أجهزة الطرد المركزي المستخدمة والذي ستصر 5+1 على أن يكون من الجيل الأول فقط وهو «RI – 1»، بالإضافة إلى تفاصيل فنية أخرى.

أما نسبة التخصيب فإن المؤشرات تسير باتجاه توقف إيران عن تخصيب الـ20 في المائة، وسيبقى عند حد 3,5 في المائة، وتعود الإشكالية في مسألة كمية التخصيب والمخزون الإيراني من هذه النسبة. فهل النظام الإيراني يقرأ هذا الاتفاق على أنه وقف أم تعليق لتخصيب تلك النسبة؟ وهل الرغبة في إنشاء مفاعلات نووية جديدة يدفع بدوره إلى تخصيب كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب بنسبة خمسة في المائة؟

لعل الوصول إلى توافق في هذا الجانب يتطلب معه آلية تفتيش دقيقة ومستمرة من قبل الوكالة الدولية، فالعبرة لا تكمن في الوصول إلى الاتفاق، وإنما في استمرار بنود ذلك الاتفاق كما اتفق عليها من دون الإخلال بها، والتي ترتبط مباشرة برفع العقوبات عن إيران، وهي آلية معقدة كثيراً، فهناك عقوبات دولية وغيرها أحادية، ناهيك بالتجاذب في الداخل الأميركي وكيف سيجري رفع أهم العقوبات التي تشكل الضرر الرئيس لإيران والمتمثلة في العقوبات المفروضة على القطاع النفطي الإيراني، وعلى المصارف والتحويلات المالية.

ما سيشكل معضلة حقيقية للوصول إلى حل نهائي هو إقحام قضايا أخرى من قبيل البرنامج الصاروخي الإيراني وملف حقوق الإنسان، ويبدو أن كلا الطرفين يسعى إلى تجنب الخوض في هذين الملفين وربما ترحيلهما إلى مفاوضات لاحقة. وعلى الرغم من ارتباط هذين الملفين بعقوبات مفروضة على إيران، فإن الجانب الإيراني إلى حد ما يمكنه التعايش مع تلك العقوبات ما دامت العقوبات النفطية والمالية رفعت عن كاهل الاقتصاد الإيراني.

السيد حسن روحاني ومِن ورائه وزير خارجيته والمسؤولون الإيرانيون يرون أن الكرة في ملعب الطرف الآخر للوصول إلى الاتفاق النهائي، وذلك عن طريق التعامل الصائب، فإيران كما يرى الرئيس الإيراني «ليست لديها إشكالية أن تكون أكثر شفافية لاستقطاب ثقة مزيد من الرأي العام العالمي». أما الطرف الآخر فهناك عوامل ضغط تمارس عليه، وخصوصا على الجانب الأميركي للوصول إلى أكبر تنازلات من الطرف الإيراني.

حسن روحاني يرى أنه مخطئ من يظن أنه يستطيع أن ينتصر على الطرف الآخر مائة في المائة، ويجب أن تكون المفاوضات على قاعدة ربح - ربح. فهل قراءة الطرفين لقاعدة ربح - ربح متوائمة فيما بينهما؟

إن كان الأمر كذلك فـ20 يوليو إذن، وإن كان غير ذلك، فإما المزيد من الجهد لموائمة القراءات، وإما 20 فبراير 2015.

* كاتب وأكاديمي إماراتي.