ثلاثة من عرب الشرق الأوسط!

TT

مجلة «التايمز» الأسبوعية نشرت هذا الأسبوع العدد السنوي لها الذي تخصصه عادة لاختيار أهم مائة شخصية شكلت نفوذا ملموسا في العالم، خيرا أو شرا، طبعا من الشخصيات الهامة المائة عدد كبير من السياسيين والفنانين والمخترعين والموسيقيين. عادة يقوم طاقم المجلة بتمحيص أعمال المختارين من بين الآلاف من الشخصيات المرشحة، بمنهجية منضبطة تفحص أعمالهم من زاوية تأثيرها على الأحداث في العام.

من نافلة القول: إن شخصيات مثل فلاديمير بوتين أو أنجيلا ميركل وباراك أوباما أو البابا فرنسيس الأول أو الرئيس التركي عبد الله غل أو وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون أو غيرهم من الشخصيات الاقتصادية والفنية الرياضية التي تؤثر في أحداث العالم كانت مختارة من بين المائة، والتي كتبت عنها المجلة بإسهاب في العدد المشار إليه. ما أرغب في الحديث عنه ليس تبرير الاختيار، ولا حتى ما إذا كانت تلك الشخصيات بالفعل قد حققت تأثيرا بالغا في مسيرة العالم الذي نعيش فيه أم لا! حديثي محدود برمزية اختيار الأشخاص من إقليم الشرق الأوسط العربي وهم ثلاثة؛ عبد الفتاح السيسي، عُبادة القادري، وأخيرا أبو دُعاء، الأول من مصر والثاني من سوريا والثالث من العراق، المثلث الأكثر اضطرابا وحرجا في المنطقة. ربما المعروف من بين الثلاثة أكثر هو عبد الفتاح السيسي، وقد اختير لدوره السابق في الإطاحة بحكم الإخوان، أو بمساعدة الشعب المصري لفعل ذلك (يعتمد على زاوية الرؤية التي تنظر منها) وأيضا دوره اللاحق والمتوقع في مصر الجديدة، وهل هي مصر الاستمرار أم مصر التغيير، بما تحمله مصر من ثقل بين العرب وفي محيطها الإقليمي والأفريقي، يُبرر ذلك الاختيار، أن قيادة السيسي لمصر المقبلة هي التي سوف تشكل الفارق بين ماض يرغب المصريون في تجاوزه، ومستقبل ما زال في رحم الغيب يرغبون في إنجازه. أما الشخصية الثانية فهو إعلامي سوري يدير الآن محطة إذاعية تبث من تركيا (لا أعرف لماذا نسبته مجلة «التايمز» إلى قطر في الخارطة التي نشرتها) ولكنه إعلامي ديمقراطي، مطلوب رأسه من جهتين، كما تقول المجلة، النظام السوري من جهة والمتشددين القساة من جهة أخرى، فهو يشكل رمزا لسوريا المأمولة، الديمقراطية والتعددية والبعيدة عن التسلط والتشدد في آن، أما الثالث فقد وصفته المجلة بأنه من أهم القادة الميدانيين لتنظيم القاعدة في العراق، وأكثرهم شراسة ووحشية، واسمه أبو بكر البغدادي، هو الآن قائد جماعة العراق والشام المعروفة بـ(داعش) وهي المجموعات الأكثر شراسة ووحشية في القتال، سواء في أرض العراق أو الشام، وتتغذى هذه التجمعات على خزين من الهلع والخوف، وكمية مهولة من الخرافات.

صورة هؤلاء الثلاثة مجتمعين تشكل صورة تضاريس النظام العربي القائم وربما القادم، وهو مفتوح على مفترق طرق تقف أمامه المنطقة في عصر الاضطراب الكبير. أن تختار مجلة «التايمز» من بين المئات من الشخصيات الإعلامية والسياسية والأكاديمية والفنية والاقتصادية في المنطقة العربية هؤلاء الثلاثة بعينهم لهم مواصفات مختلفة عن بعض، لكنهم مشتركون في سباق لتحديد مستقبل المنطقة. الاختيار يرسم صورة الشرق العربي كما هو اليوم. صورة تشدد واضح العيان يمكن أن نراه في أكثر من مكان، وصورة أمل ما زال في حالة تشكل جنيني. التشدد يتوسل العنف ولا يتراجع عن ارتكاب أكبر الحماقات في القتل والتدمير تحت شعارات يتبعها بعض العوام، ليس في العراق وسوريا، بل في مصر واليمن وليبيا والمملكة العربية السعودية وغيرها (ما أعلن عنه في الأسبوع الماضي في الرياض من إفشال مخطط تخريبي اشترك في الإعداد له أكثر من مائة عنصر، هو دليل آخر وليس هو الأخير على أشكال العنف التي تضرب المنطقة بلا هوادة). كما أن اختيار السيسي وخاصة عُبادة القادري الذي لا يعرف كثيرون الشيء الكثير عنه، ربما يشكل الأمل المراد الذي يحتاج إلى جهد لتحقيقه، لأنه النموذج المطلوب إقليميا. القادري ترسم له صورة رجل الاعتدال وقبول الآخر والإيمان بالتعددية واحترام الرأي المخالف، فوق ذلك كونه إعلاميا ما يشير إلى أهمية وسائل الإعلام في قيادة التنوير المؤثر في مستقبل الإقليم، أي أنه اختيار له غرض، وهو عرض نموذج مُبتغى من قبل القوى العالمية لتيار يرغب في أن يسود وبوسائل حديثة هي الإعلام، والسيسي والقادري يعرضان كنموذج يرغب الإعلام العالمي أن يضيء عليهما كرمز، على أنه التوجه المرغوب. أما ثالث الأثافي فهو أبو دُعاء، الذي من بين أسمائه التي اختارها (الحُسيني، القُرشي) وهي أسماء لها دلالات في التراث العربي! وقد حاولت القوات الأميركية عندما كانت في العراق النيل منه، إلا أنه نفذ في أكثر من متابعة، كما ادعى مسؤولون عراقيون أنهم ألقوا القبض عليه، وتبين أن تلك المعلومات خاطئة أو هي في باب التمنيات لا أكثر. أمير الدولة الإسلامية في العراق والشام تختاره مجلة «التايمز» ليكون من بين المائة شخصية ذات التأثير في العالم، يعني أن هناك رسالة للعالم أولا ولأبناء المنطقة ثانيا، وهي رسالة يمكن أن تقرأ أن التشدد أو القتل على الهوية ورفض كل أشكال الحياة الحديثة، جزء من صراع الشرق الأوسط العربي، وأن هناك مجموعات يمكن أن يستعان بها في القتل والتخريب وإشاعة العنف، وهي جماعات ليست بالهينة ولا بالمحدودة، فهناك من الروافد ما يغذيها باستمرار، وأهم تلك الروافد القراءة المبتسرة للتراث من جهة، وفشل في حل معضلات التنمية من جهة أخرى!

الصورة الآن أصبحت واضحة من رمزية الشخصيات الثلاث العربية ذات النفوذ الأكبر في محيطنا، كما قررتها مجلة «التايمز»، وهي شخصيات في حالة صراع مع محيطها بأشكال مختلفة، وأن هذا الصراع يمكن أن يستمر وأيضا يتوسع، فليس هناك ثبات في المرحلة القادمة فيما حول المنطقة العربية وفي وسطها وقلبها، كما أن المآلات المتوقعة صعبة، وهي رسالة لمن يريد أن يقرأ بموضوعية ودون هوى، أن منطقة الشرق العربي مرشحة لأشكال من الصراع السياسي الاجتماعي الثقافي، ويمكن أن يعم هذا الصراع الإقليم كله، لأن هناك قوى وأفكارا وشعارات تغذيه، وهناك من جهة أخرى قصور مرضي في معالجة أسبابه، فهو كمثل ماء المد العالي يغمر أرضا لم يُحسن زراعتها..

آخر الكلام:

يقول هنري كيسنجر في مذكراته: (الحاضر وإن كان لا يمكن أن يحل محل الماضي أو يكرره، إلا أنه لا بد أن يحمل وجه الشبه معه... وكذلك المستقبل..).