هل لأبي حمزة المصري بواكٍ؟

TT

من يتابع مجريات محاكمة أبو حمزة المصري في أميركا سيجد ما يستحق المتابعة والرصد.

أبو حمزة الشهير بخطاف يده المعدني، والذي كان خطيبا في لندن، وناشطا أصوليا يدعو للقتال وحمل السلاح، تسلمته السلطات الأميركية من الجانب البريطاني بعد جدل استمر أعواما.

الرجل يبدو وهو في هذا العمر (56 عاما) وبهذا الظرف قد قرر أن يجعل من جلسات محاكمته بنيويورك فرصة لتقديم شهادته العامة على مرحلة كبرى في التاريخ المعاصر للحركات الإسلامية، مرحلة «لندنستان»، وهو من أطلق هذا الوصف وارتضاه في حديثه أمام منصة القضاء.

الرجل كان كما يبدو عفويا عاطفيا، حتى إنه أطلق تعليقات ظريفة تتصل بكيفية التعامل مع أكثر من امرأة وتوزيع عواطف الحب بينهن، وهو التعليق الذي أثار ضحكات المحلفين.

المهم في شهادته هذه كما جاء في جريدة «الشرق الأوسط» نقلا عن «الديلي تلغراف» أنه وصف لندن بأنها كانت بوتقة انصهار لجميع الأصوليين المتشددين والراديكاليين من جميع أنحاء العالم خلال تسعينات القرن الماضي، مشيرا إلى أنه أحب زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. كما قال للمحلفين إنه كان يعمل على كبح جماح المتطرفين الإسلاميين خلال فترة وجودهم، في ما وصفه بأنه «لندنستان».

أبو حمزة، إمام مسجد «فينسبري بارك»، أكد بوضوح أنه عندما كان يأتي له الانتحاريون يريدون نصيحته كان يرد بنصائح جيدة وطيبة، قبل أن يحاول إقناعهم بعواقب خططهم. وردا على سؤال حول تأثير زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن في العاصمة البريطانية في ذلك الوقت، أجاب: «إنه رجل مشهور جدا. كثير من الناس يحبونه، وأنا منهم». وقال إنه ساعد «منظمات غير حكومية تقوم بمساعدة المسلمين».

مصطفى كامل، اسمه الحقيقي، هذا الخطيب المصري البريطاني، الإسكندراني، هاجر إلى بريطانيا بأحلام شاب يبحث عن العمل والمتعة، واشتغل في الملاهي الليلية ثم اكتشف التدين فجأة، دون تدرج ولا تبصر، فصار رمزا من رموز التطرف الدموي، ويحاكم الآن على عدة جرائم إرهابية، تمويلا وتحريضا وتنظيما، وقد يقضي ما تبقى من حياته في السجن جراء هذه الاتهامات. من الإنصاف القول إنني أميل إلى تصديقه في أنه كان يسدي النصح لبعض المتطرفين الإسلاميين ويحاول كبح جماحهم، وقد يقال كيف نصدقه في هذا وهو يقول إنه يحب أسامة بن لادن، ودعم الحركات الإرهابية في الجزائر واليمن؟

هذا سؤال وجيه، ولكن لو دققنا النظر حولنا سنجد كثيرا من الدعاة من أشباه أبي حمزة المصري، هم لا يرفضون تنظيم القاعدة، لكن يرفضون «داعش»، لا يرفضون أسلوب رفع السلاح وتكفير الحكومات وتفجير المجتمعات، لكن يرفضون «المبالغة» في الأمر، أو عدم مراعاة مصلحة المسلمين في التوقيت والزمان، أي أن الاختلاف في حقيقته شكلي وليس موضوعيا، تكتيكي وليس استراتيجيا. كثيرون بيننا مثل أبي حمزة، من دون يده الخطافية، ولا صدقه. لكن ما وقعوا بشباك المحاكم والإعلام في الغرب.