إدارة الخلافات المنزلية ضرورة صحية

TT

أثار الباحثون الطبيون من الدنمارك ضرورة إتقان الإنسان لفنون إدارة الخلافات المنزلية مع الزوجة والأبناء، للحفاظ على مستوى صحي أفضل على أقل تقدير. وعرضوا ضمن عدد 8 مايو (أيار) لـ«مجلة الأوبئة وصحة المجتمع» (Journal of Epidemiology & Community Health) نتائج دراستهم الواسعة حول علاقة الوفاة المبكرة بالمشاحنات والجدالات والمخاوف المرتبطة بالمشكلات العائلية والمنزلية. ولاحظ الباحثون بالمقارنة أن معايشة المرء للخلافات والمشاحنات الأسرية ومع الأصدقاء، ترفع من مخاطر الإصابة بالوفاة المبكرة في متوسط العمر.

وعلى الرغم من أن هذه النوعية من الدراسات الطبية لا تتحدث عن اكتشافات علمية جديدة أو اكتشافات طبية معقدة، فإن الحاجة ماسة لإجرائها، وإلى مراجعتها، وإلى تقريب الاستفادة منها كتطبيقات عملية في حياة الناس، ذلك أنها لا تتحدث عن ترف ورفاهية صحية، بل تتحدث عن عواقب ومضاعفات وتداعيات من نوعية الوفيات وليس مجرد انتكاسات أو إعاقات صحية، ولأنها تتحدث عن أمور شائعة ومنتشرة في حياة الكثيرين من الناس، وعن أمور تحصل بشكل يومي داخل منازلهم وفي علاقاتهم اليومية مع منْ يتعاملون كثيرا معهم، ولأن عوامل تفاقمها والسيطرة عليها هي في كثير من الأحيان، بيد الإنسان نفسه وفق حُسن إدارته لطريقة حياته الشخصية.

وعلقت الدكتورة ريكي لاند، الأستاذ المشارك بقسم الصحة العامة في جامعة كوبنهاغن والباحثة الرئيسة في الدراسة، بالقول: «العلاقات الاجتماعية المتوترة في جوانب الحياة الشخصية الخاصة مرتبطة بارتفاع احتمالات خطورة الوفيات بمعدلات تتراوح بين ضعفين إلى ثلاثة أضعاف». وأضافت: «القلق من شريك الحياة والأبناء، وضغوطات متطلباتهم، والمشاحنات والخلافات المنزلية بالعموم، يبدو أنها عامل خطورة مهم على صحة الإنسان. ولاحظنا على وجه الخصوص أن الرجال وأولئك العاطلين عن العمل هم أكثر عُرضة للتأثر بتداعيات التوتر وضغوطات اضطرابات العلاقات الاجتماعية».

وعلق الدكتور سيمون ريغو، مدير التدريب النفسي بمركز مونتيفيور الطبي بكلية ألبرت آينشتاين للطب في نيويورك بالقول: «نحن نعلم الدور الواقي الذي تلعبه العلاقات الاجتماعية الصحية، وتفيد نتائج هذه الدراسة بأن العلاقات الاجتماعية قد تكون مدمرة لصحة الإنسان إن لم تكن جيدة».

وتابع الباحثون في دراستهم لمدة عشر سنوات نحو عشرة آلاف شخص من الجنسين في الدنمارك، ممن تتراوح أعمارهم بين 36 و52 سنة، وجرت مراجعة علاقاتهم الاجتماعية، وخصوصا مع شريك الحياة والأبناء والأقارب والأصدقاء والجيران، ومتطلبات العلاقات تلك التي فوق القدرة، والمخاوف المرتبطة بها ومدى تسببها بالمشاحنات والنزاعات والجدالات، ومتى تكرار ظهور الخلافات تلك وعلاقة ذلك بالوظيفة والعمل. وبتحليل النتائج لحالات الوفيات وغيرها من الانتكاسات الصحية، تبين للباحثين أن الضغوطات في العلاقات الاجتماعية تلك مرتبطة بنسبة 50 إلى 100 في المائة في رفع خطورة الوفاة لأي سبب من أسباب الوفيات ذات العلاقة بالأمراض من نوعيات الأمراض السرطانية وأمراض القلب والسكتة الدماغية وأمراض الكبد والحوادث والانتحار وغيرها.

ومن بين جميع أنواع الضغوطات في العلاقات الاجتماعية، كان الجدال هو الأكثر ضررا. وتحديدا، فإن تكرار الجدال والنزاع مع شريك الحياة والأقارب كان الأكثر ضررا بالمقارنة مع أولئك الذين لا يتعرضون له في حياتهم الاجتماعية اليومية. وتزيد الخطورة في حالات العاطلين عن العمل حين مشاحناتهم مع شريك حياتهم.

وذكر الباحثون كتعليل علمي أن الجدالات والمنازعات الأسرية ترفع من نسبة هرمونات التوتر وترفع من قراءات ضغط الدم، ولكنهم أيضا أثاروا أهمية أمور أخرى بقولهم: «مهارات التعامل مع المتطلبات والمخاوف الناشئة من العلاقات الاجتماعية المتوترة والتي تشوبها المنازعات، كما بين الزوجين والأقارب، هي إحدى استراتيجيات خفض احتمالات الوفاة المبكرة». وهذا الكلام العلمي ليس قفزا في الاستنتاجات، بل هو تطبيق عملي لقراءة نتائج ملاحظات علمية واضحة. ولذا قالوا: «بالنظر إلى هذه النتائج فإنه يبدو من المعقول أن نستنتج أن تصميم وتنفيذ التدخلات النفسية، مثل العلاج السلوكي المعرفي الذي يُركز على تعلم مهارات محددة كإدارة الهموم ومطالب العلاقات الاجتماعية وكيفية إدارة الخلافات الأسرية والزوجية، كلها قد تمثل جوانب استراتيجية للحد من الوفيات المبكرة».

* استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]