كيف يثبت أوباما أحقيته بجائزة السلام؟

TT

عندما رتّب نورييل روبيني (رئيس مؤسسة روبيني للاقتصاد العالمي) بؤر التوتر الجيوسياسي التي يمكن أن تعصف بالأسواق العالمية، لم تتصدر القائمة مغامرة روسيا في أوكرانيا، ولم يتصدر القائمة أيضا البرامج النووية الخاصة بكل من إيران وكوريا الشمالية، ولا حتى «قوس عدم الاستقرار» الذي يمتد الآن من المغرب وصولاً إلى سلسلة جبال هندوكوش.

ما هو مصدر القلق الأول للدكتور دووم (شخصية كرتونية شريرة)؟ مصدر القلق الأول هو الصين، والذي يؤكد ما يساوره من قلق النزاع بينها وبين فيتنام والفلبين بشأن الأراضي في بحر الصين الجنوبي.

وقد اندلعت أعمال شغب دامية في جنوب ووسط فيتنام عقب قيام الصين بنشر منصة تنقيب عن النفط، بالقرب من جزر باراسيل الأسبوع الماضي، والبدء في أعمال الحفر. ويواجه المسؤولون الغاضبون والمشوشون في هانوي هذا الواقع المؤلم؛ ففي آسيا، لا توجد جهة يمكن اللجوء إليها طلباً للانتصاف، ولا يوجد مؤسسة مماثلة للناتو يخوّل إليها مهمة الفصل في النزاع أو إخماد التوترات الدولية الناشبة.

وتواجه تايلاند توترات مماثلة لأسباب مختلفة تماما؛ فبينما تم الآن كشف النقاب عن حكومة جديدة، ومع الاحتجاجات التي تملأ الشوارع، لا يجد المسؤولون مجالا للمساعدة أو الحصول على المشورة. وقد استطاعت أفضل رابطة لدول جنوب شرقي آسيا (آسيان) أن تجتمع في قمة انعقدت في عطلة نهاية الأسبوع، للحث على «الحل السلمي» في بانكوك.

إن الافتقار لوجود مؤسسة إقليمية محترمة ونزيهة يعد السبب الأساسي الذي أثار شكوك روبيني حول استقرار آسيا، فنادرا ما كان يجري الاهتمام بمثل هذا الأمر.

يتعين أن يساور العالم القلق عندما يرى شركة رايثيون (Raytheon Co)، وشركة نورثروب غرومان (Northrop Grumman Corp)، وباقي المجمع الصناعي العسكري الأميركي يتدافعون ويتسارعون باتجاه آسيا للاستفادة من سباق التسلح. وفي غضون هذا، تشهد قوات الدفاع الذاتي اليابانية زيادة في أعداد المجندين لديها، ففي الطبيعي، لم تكن أكاديمية الدفاع الوطنية اليابانية تمثل الطريق للحصول على المراتب والمناصب العليا مثل تلك التي يحظي بها من يعملون في الأعمال التجارية أو في الحكومة، ورغم ذلك تشهد اليابان ارتفاعا كبيرا في عدد الطلبات المقدمة للالتحاق بالأكاديمية على مدى 26 عاما؛ حيث إن تفاقم النزاع الحدودي مع بكين أجج روح العزة والكرامة الوطنية. ويأتي ذلك في الوقت الذي يجري فيه رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إعادة تفسير الدستور السلمي لليابان، بما يمكن طوكيو من نشر القوات بالخارج لمساعدة حلفائها.

هل يعني هذا أن آبي سيرسل جنودا إلى الفيلبين، إذا تعدت الصين على المزيد من الأراضي المتنازع عليها بين البلدين؟ من المحتمل حدوث ذلك. ولكن السؤال الأكبر هنا، هل باراك أوباما سيتخذ موقفا إذا تنازع كل من الصين واليابان بعضهما مع بعض بالقرب من الجزر اليابانية سينكاكو وجزر دياويو الصينية؟. ففي الشهر الماضي، شعر آبي بالسعادة، عندما حذر الرئيس الأميركي الصين، موضحا أن تلك الجزر، التي تديرها اليابان، تدخل ضمن إطار اتفاقية الدفاع الأميركية - اليابانية.

ولكن في الحقيقة، فإن أوباما مخطئ إذا كان يعتقد أن هاتين القوتين الآسيويتين (اليابان والصين) يمكنهما تسوية خلافاتهما بنفسيهما؛ فهذه عبارة عن 80 سنة إضافية من الخلافات العميقة قيد الإعداد؛ فقد وقع غزو اليابان لمنشوريا في عام 1931 وفي عام 1937 حدثت مذبحة نانجينغ، تلك المأساة التي يفضل الكثير من أعوان آبي تجاهلها، والتي وقعت قبل ميلاد والدة أوباما. وبالتالي، هذه الجزر التي تعد عبارة عن مجموعة من الصخور، غير مأهولة بالسكان، تأتي لتنوب عن الذل الذي شهدته الصين في فترة الحرب، بالإضافة عن مشاعر الاستياء لدى اليابانيين حول فترة ما بعد الحرب، والتي يعتقد البعض منهم تمثل افتراءات غير عادلة ضد بلادهم، فلن يستسلم أي من الطرفين. ويتزايد يوم بعد يوم خطر إطلاق النار؛ فقد شهدت السنة المنتهية في مارس (آذار) عدد قياسي من الطائرات اليابانية المقاتلة ضد الطائرات الصينية.

وفي المجمل، نشرت طوكيو طائراتها 810 مرة، مقارنة بالعام السابق؛ حيث نشرت 567 طائرة، فكل ما يتطلبه الأمر هو مجرد اصطدام جوي واحد. وينطبق الأمر ذاته على نشر عدد متزايد من السفن التي تبحر في المياه المتنازع عليها، وفي حال وقوع حادث واحد، سينجم عنه رد فعل مبالغ فيه أو نشوب سوء فهم من شأنه أن يغير الحسابات الجيوسياسية بالنسبة للبنتاجون.

ولذا يتعين أن تمثل مسألة إقامة تحالف يضم أكثر من دولة - بغرض وضع مدونات لقواعد السلوك، وإيجاد جهة يكون بمقدورها نزع فتيل التوترات، واحتواء الصراع العسكري- حجر الأساس بالنسبة لمحور أوباما الآسيوي.

ليس بمقدور اتحاد دول جنوب شرقي آسيا القيام بهذا الدور؛ حيث ترك بروني وماليزيا والفلبين وفيتنام يعملون على تسوية النزاعات بينهم مع بكين على أساس ثنائي. وفي غضون هذا، تعد تايوان بمفردها في خضم ما تشهد من فوضى داخلية، وتجدر الإشارة إلى أن تداعيات تلك الأزمة الاقتصادية من الممكن أن تلقي بظلالها على الصعيد الإقليمي. كما يعد منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي بمثابة جهة ضعيفة أيضا.

ولذا يتعين على الرئيس أوباما أن يبادر بالخطوة - التي نوقشت في الواقع لعدة سنوات، ولكن بدون جدوى - وأن يقترح استضافة قمة إقليمية للشروع في هذا الأمر، أو أنه يتعين على البيت الأبيض أن يحث الأمم المتحدة لأخذ زمام المبادرة. ولا يتعين أن يتم تشكيل تلك الهيئة باعتبارها كتلة مناهضة للصين، كما أشار بعض المسؤولين مثل شيجيرو ايشيبا، المسؤول الثاني في الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم، الذي يقوده آبي، وبالتأكيد ستقوم الصين بالانضمام، فقط إذا وجدت أن صوتها يعد مساويا لكافة الأعضاء الآخرين.

في الواقع، من الصعب الشعور بالتفاؤل حيال فرص النجاح؛ حيث إن توحيد آسيا سيتطلب قدرا كبيرا من الدهاء السياسي، ورأس مال سياسي على طرفي المحيط الهادي، ولكن إذا نجح أوباما في تحقيق ذلك، سيكون قد فعل شيئا عظيما، وسيحصل على جائزة نوبل هذه للأبد.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»