الارتباك الغربي في فهم الحالة المصرية

TT

لو استعرنا المثل الشهير حول السفن والرياح، فإن الرياح في الحالة المصرية التي أعقبت 25 يناير 2011 لم تسر في الاتجاه الذي كانت تتوقعه التحليلات الغربية، وعلى العكس فإن التطورات كثير منها كان يحمل عنصر المفاجأة التي خلقت حالة من الارتباك والحيرة ومواقف أحدثت سوء فهم وتوترا في العلاقات، انعكست في أحيان حتى على موقف الشارع نفسه وتسببت في رواج نظريات المؤامرات.

الارتباك، لم يبدأ بعد مظاهرات 30 يونيو (حزيران) ثم إطاحة حكم الإخوان المتمثل في رئاسة الرئيس السابق محمد مرسي، لكنه بدأ من يوم 25 يناير (كانون الثاني) وتصاعد أعداد المتظاهرين، وكان ظاهرا من المواقف أو البيانات خاصة الأميركية التي كانت تتبدل يوميا، وتتناقض في حالات بين مسؤول وآخر في توجيه النصح إلى الرئيس الأسبق مبارك، حتى وصلت في النهاية إلى حد دعوته إلى الرحيل بعدما ظهر أن النظام غير قادر على الصمود أو تقديم حلول مقنعة للمتظاهرين المطالبين بالتغيير.

هذا الجزء الزمني متروك للمؤرخين لتقييمه، لكن من الصعب القول بأن هناك أحدا كان يتوقع ما حدث. صحيح أنه كانت هناك دعوات للإصلاح أو الانفتاح السياسي، وربما توقعات باحتجاجات أو قلاقل سياسية، وهي مسألة ليست جديدة في مصر التي كانت تشهد احتجاجات كبيرة في الشارع كل بضع سنوات لأسباب مختلفة منذ السبعينات، لكن لم يتوقع أحد أن يصل الحدث إلى مستوى ما حصل بعد يناير 2011.

أيضا عندما سارت الرياح في اتجاه سيطرة الإخوان على مجلس الشعب والشورى في أول انتخابات جرت كنتيجة للتغيير السياسي ثم مجيء رئيس منهم بعد ثمانين عاما من الصراع السري والعلني مع أنظمة مختلفة منذ الملكية، كانت التوقعات في التحليلات الغربية، وحتى في مصر والمنطقة أن الإخوان باقون لأربعين عاما على الأقل.

لم يتصور أحد أن ينتهي حكمهم بهذه السرعة خلال عام بالضبط بينما كانت التقديرات كلها أنهم أقوى تنظيم سياسي موجود على الأرض والأكثر قدرة على الحشد، وحتى على استخدام العنف، فجاء الحشد الهائل في الشارع ضدهم في 30 يونيو ثم في يوم التفويض الذي طلبه قائد الجيش وقتها، والمرشح الرئاسي حاليا السيسي، مفاجئا ومحيرا للدوائر التي تحلل وتتابع سواء كانت رسمية أو غير رسمية في عواصم غربية. وكان طبيعيا أن يحدث هذا حالة ارتباك خاصة بعد أن كان المسار كله تحليليا وسياسيا يتجه لصالح فكرة روجت بأن هذا هو عصر الإسلام السياسي، ويتعين وضع استراتيجية للتعامل معه لعدة عقود قادمة.

وهنا ينبغي للموضوعية تسجيل أن الارتباك لم يكن مقتصرا على العواصم الخارجية أو دوائر التحليلات الدولية، لكنه كان أيضا جزءا من المشهد المصري الذي جاء بالإخوان أو أراد منحهم فرصة في غياب وجود قوي لقيادات أو جماعات سياسية أخرى، لم يسعفها الوقت لتنظيم نفسها في عملية انتخابية.

الارتباك الأكبر غربيا جاء بعد تشكيل الحكم الانتقالي برئاسة الرئيس منصور، وإطاحة حكم الإخوان ووضع خريطة الطريق الجديدة، وقد يكون من بين أسبابه هو الموقف الغربي ضد تدخل الجيش في الحياة السياسية، والصورة الموضوعة عن أنظمة جنرالات أميركا اللاتينية في أوقات سابقة، ولم يؤخذ في الاعتبار خصوصية الحالة المصرية أنه كانت هناك رغبة جماهيرية في تدخل الجيش، وهو نفس ما حدث في يناير 2011، كما أن إرث الجيش مع الناس في مصر مختلف عن مناطق أخرى جغرافية، وهذا لا يعني حكما عسكريا.

وانسحب الارتباك الغربي إلى فهم ظاهرة شعبية السيسي التي كبرت ككرة الثلج حتى أصبح مرشحا رئاسيا، واتضح مع مرور الوقت أن هناك شعبية حقيقية في الشارع نتيجة عوامل عديدة أهمهما القدرة على الحسم بعد 30 يونيو، والرغبة في رؤية رئيس قوي لإدارة الدفة بعد سنوات عاصفة، ومع إجراء الانتخابات الرئاسية وظهور نتيجتها المرجح أن تكون الصورة قد أصبحت أكثر وضوحا بالنسبة إلى فهم الحالة المصرية.