الفقر ليس حالة مزاجية

TT

قدم بول رايان (عضو بالحزب الجمهوري، ورئيس لجنة الموازنة السابق بمجلس النواب) وجيب بوش (الشقيق الأصغر للرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش) في أحد الاجتماعات، التي عقدت الأسبوع الماضي بمعهد مانهاتن، وصفة تشبه إحدى الوصفات الطبية للدكتور مايبيري، من أجل التصدي لظاهرة الفقر في هذا البلد، فوفقا لهما، كل ما يتطلبه الأمر هو المزيد من الصداقة والزواج التقليدي.

وذكر رايان: «أفضل طريقة للتحول من حلقة اليأس المفرغة والعجز المكتسب والدخول في حلقة الأمل والازدهار، تكون من خلال تبني قيم الصداقة، والمساءلة، والمودة».

عزيزي السيد رايان. لقد تأثرت بتلك الكلمات، ولكن سيقول لك كل شخص يعيش في أميركا ويعاني الفقر: لا يمكن التعامل مع الصداقة باعتبارها عملة لدفع فاتورة الكهرباء، ولا يمكنك، ببساطة، أن تعانق أمين صندوق مكان ما وتذهب سريعا بالمشتريات دون دفع الحساب. وعلاوة على ذلك، فإن ما ذكره السيد رايان يقوم على فرضية أساسية ومهينة بحق الفقراء، مفادها أن «الفقراء لديهم نقص في تلك القيم المتعلقة بالصداقة، والمساءلة، وعلاقات المودة». ما ذكرته، يا سيدي، ليس صحيحا من واقع خبرتي، فالفقر لا يدل على انعدام مثل تلك القيم، ولكنه ينم عن نقص المال.

من جهته، ذكر السيد بوش: «الأسرة التي تسودها مشاعر الحب، وتراعي أطفالها في حالة الزواج التقليدي، ستوجد بذلك فرصة للخروج من حالة الفقر، وسيكون هذا الأمر أفضل بكثير من أي برامج حكومية يمكن أن نضعها».

في الحقيقة، الأمر الذي جعلني أشعر بالأسف هو الإصرار على مسألة «الزواج التقليدي»، فيكفي الإشارة إلى الأسر التي تسودها مشاعر الحب، أيا كانت طريقة تشكيلها أو تكوينها، بينما نجد أن وجود اثنين بالغين سن الرشد في منزل واحد بإمكانهما توفير الرعاية والدخل للأسرة، إلا أن هذين البالغين ليسا بالضرورة أن يكونا متزوجين زواجا تقليديا. بالطبع، الزواج يكون له تأثير مستمر وقوى على الأسرة، ولكن بعد هذه الحجة، يتعين علينا العمل على تمكين كل من يرغب في الزواج التقليدي من تحقيق ذلك.

ففي بعض الحالات، حتى الآباء المنفصلون بإمكانهم توفير بيئة مواتية لأطفالهم، وذلك إذا كانت مسألة الأبوة تشكل أولوية بالنسبة لهم عندما يتعلق الأمر بوقتهم وأموالهم. ليس كل الآباء والأمهات بإمكانهم أن يقيموا معا من أجل توفير تلك الأمور، هناك الكثير من السبل الأخرى يمكن من خلالها أن نقيم أسرة تسود فيها مشاعر الحب والمودة، وتوفير ما يحتاج إليه الأطفال. يمكن تحقيق ذلك من خلال كل أشكال الزواج، بالإضافة إلى طرق أخرى لبناء أسرة.

تكمن القضية الأكبر هنا في الوجود المستمر للقيم التقليدية بالتوازي مع شبكات الأمان الاجتماعي، حيث إنه إذا كانت القيم وسبل الأمان غير متوافرتين معا وتستبعد إحداهما الأخرى، أو كانت رديئة، فإن محصلة العلاقة بينهما تكون صفرا. وحسب المنطق، فالناس تعتمد على المنافع العامة، لأنهم أداروا ظهورهم للقيم التقليدية.

وهذا يعد جزءا لا يتجزأ من التفكير المحافظ عن الأغنياء والفقراء في هذا البلد الذي يرى أن الفقراء هم كذلك، لأنهم يفتقرون إلى بعض القيم الأساسية، مثل الطموح على سبيل المثال، بينما يعد الأغنياء أغنياء، لأنهم يتمتعون بوفرة من هذه القيم.

ووجد مسح أجراه مركز بيو للأبحاث - بالتعاون مع صحيفة «يو إس إيه توداي» في شهر يناير (كانون الثاني) - أن معظم الجمهوريين - على النقيض من الديمقراطيين والمستقلين - يعتقدون أن الفقراء هم فقراء بالأساس بسبب نقص الجهد، وأن الأغنياء هم أغنياء بالأساس، نظرا لأنهم يعملون بجد مقارنة بالآخرين.

ويبدو أنه جرى إيلاء القليل من الاهتمام لما يمنح من امتيازات، وعدم المساواة الهيكلية والسياسات التمييزية، كما يبدو أنه لم يجرِ الأخذ في الاعتبار الجهود الشاقة التي يقوم بها الفقراء من العاملين، الذين عادة ما يكدحون في أعمال شاقة، لا يمكن أن يتحملها الجسم لفترة طويلة.

ما ذكرته بحق الفقراء غير مقبول، ويتعارض تماما مع الواقع، وبالتبعية فإن الافتراض بأن الناس يمكنهم، ببساطة، من خلال الحب والزواج - التقليدي فقط - الخروج من مأزق الفقر، يمثل أعلى درجات التعالي.

هذا الموقف - الذي يرتدي معطفا في جو من الخير وحسن النية - هو في الحقيقة يفتقر إلى الفهم الصحيح لحياة الفقراء، والتعاطف مع محنتهم. وإذا لم يكن هذا النوع من النفاق صارخا بما فيه الكفاية، فقد ثبت أن الناس الأكثر فقرا هم أكثر سخاء من الناس الأكثر ثراء، فحسب ما أفادت به صحيفة «ماكلاتشي» عام 2009: «في الواقع، وفقا للمسح الأخير الذي أجراه مكتب الولايات المتحدة لإحصائيات العمل للنفقات الاستهلاكية، ساهمت أفقر خمس أسر بالولايات المتحدة بمعدل 4.3 في المائة من دخلها إلى الجمعيات الخيرية في عام 2007، بينما ساهمت أغنى خمس أسر بما يقل عن نصف هذا المعدل، بما يصل نسبته إلى 2.1 في المائة».

نعم، الذين لديهم الأقل يعطون الأكثر، والآن نجد الناس، أمثال السيد رايان والسيد بوش، يحطون من شأنهم.

الفقر يعنى أمرا صعبا، ومرهقا، ويدفع إلى الشعور بالاكتئاب، وفي كثير من الأحيان ينجم عنه أعمال عنف، فلا أحد يريد أن يكون فقيرا. هؤلاء الفقراء عندما جاءوا إلى الحياة وجدوا أنفسهم فقراء، فالشخص الذي يعاني الفقر تصبح كل حياته عبارة عن محاولة للتكيف مع الأمر ودفع ثمن فقره، والبحث عن مخرج، بينما نجد التركيز اليوم على ملء الأواني والأطباق بالطعام، والحفاظ على السقف، وبعض الدفء، والخوف مما قد يجري مواجهته في المستقبل من عقبات.

يتعين علينا أن نولي المزيد من الاهتمام لمواجهة الفقر، ولكن لا يجب أن يكون هذا الأمر قائما على الاعتقاد بأن فقر الموارد هو مرادف لفقر القيم.

*خدمة «نيويورك تايمز»