لماذا تشغل سوريا اهتمام العالم؟

TT

قدم الأخضر الإبراهيمي، مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية الخاص إلى سوريا، هذا الأسبوع، استقالته، وقبلها بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، مع الأسف، وأوضح أن هذه الاستقالة تعبر عن «فشلنا جميعا» في المجتمع الدولي في التعامل مع أسوأ أزمة إنسانية يشهدها القرن الـ21.

ورغم استقالة الإبراهيمي، لا يزال الصراع في سوريا مستمرا ولم يتوقف.

ويرجع سبب اهتمام العالم الشديد بالصراع في سوريا في وقتنا الحالي إلى ثلاثة أسباب مختلفة، لكن يرتبط بعضها ببعض، وهي المبادئ الأخلاقية الأساسية، والأمن العالمي، والقيم السياسية المعيارية. ففي ظل غياب قيادة عالمية تعطي الأولوية لتلك الأزمة، سيستمر الصراع في زعزعة استقرار الشرق الأوسط الكبير، وسنشعر بتداعيات وعواقب ذلك الأمر في كل أنحاء العالم على مدى السنوات المقبلة.

ويعد السبب الأخلاقي كأحد الدوافع التي تدعو للاهتمام بالقضية السورية واضحا؛ فالحقائق والأرقام تتحدث عن نفسها. ووفقا للتقرير الصادر عن الأمانة العامة للأمم المتحدة في مارس (آذار) 2014، يصل معدل عدد القتلى في سوريا يوميا إلى 200 شخص. واعتبارا من أبريل (نيسان) 2014، كان ما يقرب من نصف السوريين، الذين يبلغ عددهم 23 مليون نسمة، بين اللاجئين أو المشردين داخليا. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنه نتيجة هذا النزوح القسري، فإن ثلاثة أرباع السكان السوريين هم الآن بحاجة إلى المساعدات الغذائية من أجل البقاء على قيد الحياة.

وقد مثلت المعاناة الشديدة وكابوس حقوق الإنسان، الذي تواجهه سوريا على مدى السنوات الثلاث الماضية، مجموعة فريدة من «جرائم الحرب» و«الجرائم ضد الإنسانية» عند مقارنتها بكوارث أخرى في مجال حقوق الإنسان؛ فقد تتضمن قائمة مختصرة بتلك الجرائم: الاستخدام المتعمد لغاز السارين؛ وقصف طوابير الخبر؛ وإسقاط البراميل المتفجرة على السكان المدنيين؛ واللجوء المفرط لأعمال القتل والتعذيب داخل السجون السورية.

وعلى الصعيد الإقليمي، يعمل الصراع السوري الآن على زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط؛ فقد أسفرت أعمال العنف والتوترات الطائفية التي تتدفق مباشرة من سوريا إلى إثارة توترات شديدة في لبنان، وعلاوة على ذلك، سلط الصراع السوري الضوء على التوترات الطائفية في جميع أنحاء العالم العربي - الإسلامي، وتم تأجيج هذه التوترات الدينية جزئيا من خلال التنافس الإقليمي بين المملكة العربية السعودية وحلفائها، وإيران وحلفائها.

وقد ظهر مجددا تنظيم القاعدة في خضم هذا الصراع السوري؛ فبعد مرور عقد من الزمن على هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، تم إعطاء تلك الشبكة الإرهابية فرصة جديدة للظهور من جديد. وحسب ما ذكره الصحافي بيتر بيرغن، أصبحت الجماعات الإسلامية المتطرفة التابعة لتنظيم القاعدة الآن أكثر قوة وأكثر تأثيرا في سياسات الشرق الأوسط أكثر من أي وقت مضى منذ 11 سبتمبر 2001.

وهذه الاتجاهات من شأنها أن تقوض من أحد الافتراضات الرئيسة في الجدل الأميركي بشأن سوريا؛ حيث كان يرى الكثير في دوائر السياسة الخارجية أن الصراع السوري من الممكن «احتواؤه» داخل الحدود السورية، أو على الأقل داخل المنطقة، وبينما يعد هذا الصراع مأساويا من المنظور الأخلاقي، فإن حسابات السياسة الواقعية تشير إلى أنه لا يشكل تهديدا على مصالح الأمن القومي الأميركي الحيوية. ولم تعد تلك الحجة قابلة للاستمرار.

وهناك سبب آخر حول اهتمام العالم بالصراع السوري، وهو أن هذا الصراع ينطوي على مجموعة من القيم السياسية المعيارية التي تم تجاهلها إلى حد كبير في الجدل العالمي بشأن سوريا، ويمكن أن تعزى تلك القيم إلى التطلعات السياسية الأساسية للربيع العربي. كانت ثورات الربيع العربي تركز بالأساس على حق تقرير المصير.

وعقب عقود من الاستبداد السياسي والحرمان الاقتصادي، كانت الشعوب تطالب بأن يتم التعامل معهم باعتبارهم مواطنين وليسوا رعايا. وقامت القيم العالمية، المتعلقة بالكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، بتوحيد تلك الثورات. ويمكن القول إنه لا يمكن أن يتحقق الاستقرار السياسي في سوريا أو في أي منطقة أخرى في العالم العربي إلا إذا تحققت هذه القيم السياسية.

وعلى الصعيد الدبلوماسي، تسلط استقالة الأخضر الإبراهيمي الضوء على عدم جدوى المفاوضات السياسية التي لم يصاحبها التهديد باستخدام القوة القسرية. وهناك درس واحد يمكن أن نتعلمه من سوريا على مدى السنوات الثلاث الماضية، وهو أن المرة الوحيدة التي قدم فيها الأسد تنازلا كان بعد تهديده باللجوء إلى استخدام القوة العسكرية جراء استخدامه الأسلحة الكيماوية في أغسطس (آب) 2013.

فالعالم يتعامل مع نظام فاشي في دمشق، ولن يقدم هذا النظام تنازلا - ولو حتى تنازلا قليلا - إلا إذا أجبر على القيام بذلك، وتجدر الإشارة إلى أن هذا الأمر بدا جليا من جانب الحكومة السورية في الفترة التي سبقت مؤتمر جنيف للسلام الذي انعقد في يناير (كانون الثاني) 2014. وحسب ما أكد عليه علي حيدر، وزير الدولة لشؤون المصالحة الوطنية «لا أتوقع أي شيء ينجم عن مؤتمر جنيف 2». وأضاف «لن تسفر محادثات جنيف الثانية ولا الثالثة ولا غيرها عن حل الصراع السوري. لقد بدأ حل المسألة وسيستمر من خلال الانتصار العسكري للدولة».

فبالنسبة للأسد وأنصاره، الأمر أصبح يمثل معادلة صفرية، وسيستمر القتال حتى النهاية. ويعد التدخل العسكري - رغم صعوبته، وما قد يكون له من تداعيات مؤسفة - هو السبيل الوحيد لوقف آلة القتل التي يستخدمها بشار. وهذا التدخل العسكري من الممكن أيضا أن يفتح الباب أمام الشعب السوري - ويمكن القول لأول مرة في تاريخه الحديث - لممارسة حقه في تقرير المصير.

هناك حاجة لاتباع نهج جديد حيال سوريا. وهنا تجدر الإشارة إلى خطة السلام التي وضعها الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر لسوريا؛ حيث كانت تستند إلى ثلاثة مبادئ أساسية، وتقدم إطارا مدروسا يمكن للمجتمع الدولي اتباعه.

1) تقرير المصير: يجب أن يتخذ الشعب السوري القرار بشأن حكومة مستقبلية من خلال انتخابات حرة تخضع لمراقبة عن كثب من جانب المجتمع الدولي، ومنظمات غير حكومية مسؤولة، وقبول نتائج تلك الانتخابات إذا تم الحكم عليها بأنها حرة ونزيهة.

2) الاحترام: ينبغي على المنتصرين ضمان احترام كل الطوائف والأقليات الأخرى.

3) قوات حفظ السلام: من أجل ضمان تحقيق أول هدفين، يتعين على المجتمع الدولي ضمان نشر قوات حفظ سلام قوية.

ويمكن أن نضيف بندا آخر لهذه الأجندة، وهو أنه يتعين على المجتمع الدولي أن يُلزم نفسه بوضع خطة من أجل إعادة البناء الاقتصادي وتحقيق عدالة اجتماعية في سوريا، لكن من أجل الوصول للمرحلة التي يمكن معها تنفيذ خطة السلام هذه، يتعين تغير الظروف المحيطة بساحة المعركة.

ورغم أن الكثيرين في الغرب يأملون أن تختفي سوريا من عناوين الصحف، فإن هذا الصراع ما زال قائما، ولا يمكن لهذا الصراع أن يحل نفسه بنفسه. لقد تأخرت كثيرا مسألة وجود قيادة عالمية، وتأخر التدخل في الصراع، الذي يعد جزء منه تدخلا عسكريا، وجزء تدخلا سياسيا، وجزء آخر يمثل تدخلا إنسانيا. وبالتالي، نتيجة تلك الحجج المتمثلة في مبادئ الأخلاقيات الأساسية، والأمن العالمي، والقيم السياسية المعيارية، يثير الصراع السوري بشدة اهتمام عالمنا. نحن نتجاهل ذلك في مواجهة الخطر المحدق بنا.

* مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة دنفر.. واشترك في تأليف كتاب «معضلة سوريا» (The Syria Dilemma)

* بالاتفاق مع «كايرو ريفيو»