السودان ومصر.. وضرورة تلاقي المصالح

TT

إذا فاز المشير السيسي في الانتخابات الرئاسية - وهذا مرجح -، فإن القاهرة والخرطوم،غالبا، ما ستقفان على خطين متوازيين في شأن جملة من القضايا، رغم ما تحتمه مصالح مشتركة تجمعهما.

الخرطوم، إخوانية الهوى، ترى، ولو بشكل غير معلن، أن ما جرى في مصر بعد يونيو، محض حركة نفذتها قوى «علمانية» ضد المشروع «الإسلامي»، والخرطوم لم تخف دعمها الواضح لحكومة الرئيس السابق محمد مرسي، التي كانت وجهته ضمن أوائل العواصم التي زارها. وهي، على النقيض من السلطة التي تلت مرسي، تصطف مع طهران، وتناصب عددا من الدول قدرا من العداء، وعلى علاقة وطيدة مع حركة حماس، ومع التنظيمات الإسلامية - الإخوانية في طول العالم وعرضه، وقد تكون مأوى لقيادات إخوانية قد تضطر إلى مغادرة مراكزها وأماكنها سواء في دول عربية أو ربما بريطانيا ودول غربية أخرى، إذا ما تزايدت الضغوط. فوق هذا، فإن هناك من يشير إلى تدفق الأسلحة من السودان إلى مصر، وإلى نظام إخواني في الخاصرة المصرية. كما أن ثمة من يردد أنه ليس هناك وفاق مع الخرطوم في شأن ملف «سد النهضة» الإثيوبي، ويرى أن الحكومة السودانية اصطفت مع أديس أبابا وكذلك تحرك ملف «حلايب وشلاتين» خدمة لأجندة إخوانية. ورغم سوء الفهم المتبادل حيال عدد من هذه القضايا، غير أن المحصلة قد تضحى خصومة مستترة بين الجانبين، خاصة إذا تعقد ملف السد الإثيوبي، واحتضنت الخرطوم بعض قيادات جماعة الإخوان.

وحكومة البشير، مدفوعة بهذا الوضع، ستحرص، أكثر فأكثر، على الاحتماء بأطراف إقليمية، أهمها، إيران وربما دول أخرى، إن لم يُحل الخلاف الخليجي - الخليجي على نحو جذري، هذا إضافة إلى اللعب من خلال «إخوان» ليبيا وتونس وحماس للتلاعب بهذه الملفات، لكيلا تلتفت إلى نظام البشير، الذي ترى فيه على الأرجح، واحدا من أكبر المهددات الخارجية عليها، بسبب تداخل العوامل الجيو- سياسية مع الثقافية والاجتماعية والتاريخية – ملف النوبة مثالاً -، هذا علاوة على التاريخ القريب، حين أشرفت أطراف داخل حكومة البشير – الترابي على تدبير محاولة اغتيال الرئيس الأسبق، حسني مبارك، في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، منتصف تسعينات القرن الماضي، إلى جانب احتضان الجماعات المتطرفة، بداية التسعينات، وبينها جماعة زعيم القاعدة الحالي، أيمن الظواهري، قبل تحالفه مع الزعيم السابق، أسامة بن لادن. والأخير ذاته قضى سنوات في الخرطوم تحت رعاية الترابي – البشير.

بعض الأطراف الإقليمية، وبينها مصر، تعتقد أن الخرطوم ما تزال ترعى – خفيةً – أنشطة تهدد الأمن الإقليمي. تقرير «الإرهاب» السنوي الصادر عن الخارجية الأميركية، أخيرا، لم يرفع اسم السودان من قائمة رعاية الإرهاب، رغم اشادته بتعاون الخرطوم في بعض الملفات. التقرير أشار إلى أنشطة تجري على حدود إثيوبيا وإريتريا وليبيا، ولا يمكن أن تغفل القاهرة عن أنشطة كهذه، مقرونة بتاريخ الخرطوم، الساعية إلى تقليص المخاطر الخارجية عليها قدر الإمكان، لئلا تتضافر مع التحديات الداخلية، مؤدية إلى إسقاط النظام الحاكم الحالي. أما الحكومة المصرية المقبلة، فإن الاستحقاقات الداخلية الهائلة، لن تغمض عينيها عن الاستحقاقات الخارجية المترتبة عليها، وأولها الاستحقاق السوداني، على مرمى حجر منها، لمحاولة معالجة الملفات العالقة بين البلدين.

الرباط «الأيديولوجي» بين الخرطوم وجماعة الإخوان في مصر، ربما يقف حجر عثرة أمام إعادة العلاقات المصرية - السودانية إلى طبيعتها في المنظور القريب. لكن هناك ما هو أقوى من ذلك وهو الأمن القومي للبلدين الذي ينبغي أن فوق كل اعتبار.

* كاتب سوداني