أميركا في حاجة إلى خطاب أخلاقي قوي في مواجهة بوتين

TT

أغفل الغرب في تعامله مع العدوان الروسي على أوكرانيا بصفته مشكلة منفصلة الأبعاد الاستراتيجية والأخلاقية لسلوك موسكو. توجد حاجة ملحة لاستراتيجية غربية جديدة تحيط بتلك الأبعاد وتستفيد من دروس الحرب الباردة. تستطيع مثل هذه الاستراتيجية فقط - التي يمكن أن يعبر عنها بيان رئاسي وتصريحات متتالية من مسؤولين غربيين رفيعي المستوى - أن تحشد تأييدا محليا وتكون مستمرة وناجحة.

في أثناء الحرب الباردة، كان الغرب يتبنى خطابا أخلاقيا قويا يوضح لماذا كان السلوك السوفياتي خاطئا وما الذي تعبر عنه الولايات المتحدة وحلفاؤها. تحدث ونستون تشرشل ذلك في خطاب ألقاه عام 1946 في فولتون، ميزوري - عن سعي السوفيات إلى إخضاع دول أخرى؛ بينما كان أمل الغرب في إقامة الحرية والديمقراطية. دفع هذا المنطق السياسات الغربية لفترة ممتدة إلى عقود، وكان أحد المكونات المهمة في المساعي الغربية هو الرد على التبريرات السوفياتية المعلنة لأفعال الاتحاد السوفياتي. كانت تجري معارضة تأكيدات موسكو وفضح أكاذيبها.

رغم أن روسيا لم تعد دولة ماركسية لينينية، فإن الرئيس فلاديمير بوتين يسعى إلى تغيير تبعات تفكك الاتحاد السوفياتي، الذي وصفه بـ«كارثة جيوسياسية كبرى». يعد عدوان موسكو على أوكرانيا أحد مكونات هذه الرؤية الاستراتيجية، وليس سلوكا منفصلا. أوضح بوتين هذه الرؤية في خطاب ألقاه في 18 مارس (آذار) الماضي، وصفته وسائل الإعلام الروسية بـ«خطاب فلتون الجديد». يرفض بوتين شرعية النظام العالمي الحالي، ويصور روسيا على أنها الضحية الفاضلة التي عانت طويلا جراء المخططات الغربية، ولهذا لها حق خاص أن تقف في مواجهة دول الجوار.

أدى عجز الغرب عن تقدير خطاب روسيا الذي يتبنى عقيدة واسعة - سواء في القرم أو شرق أوكرانيا - إلى رؤية معقدة لسياسات موسكو. في حين عارض الرئيس أوباما ومسؤولون غربيون جوانب محددة من سياسات بوتين، مثل الاستهانة بالأعراف القانونية، إلا أن أحدا منهم لم يقدم تفنيدا شاملا لرؤية بوتين، ليوضح أنها بمثابة إعلان للعداء ضد الغرب وتكشف عن أحقاد واسعة.

يقوض تجاهل الجوانب الآيديولوجية والأخلاقية في هذه المواجهة فرص التأييد الذي يمكن أن تحظى به أي سياسة غربية كبرى - داخل الولايات المتحدة المنشغلة بمشاكل داخلية، وبين حلفائنا الأوروبيين والآسيويين. في الوقت ذاته، تمس الكراهية التي يبديها بوتين وترا يلقى استجابة بين الجماعات اليمينية الغربية.

علاوة على ذلك، يؤدي عجزنا عن التعامل مع السقطات الأخلاقية لسياسة روسيا الخارجية إلى مساعدة بوتين على الاحتفاظ بتأييد كبير داخل حدود بلاده. السخرية هنا واضحة. في أثناء الحرب الباردة، ورغم محاولات موسكو تعطيل الإذاعات الغربية، فإننا كنا قادرين على تعريف شعب الاتحاد السوفياتي بأن سياسات السوفيات غير شرعية. والآن رغم الفرص الوفيرة للتواصل مع الشعب الروسي، فإننا نعجز عن فعل ذلك بوضوح.

يجب أن تقود الولايات المتحدة وضع استراتيجية غربية جديدة، تبدأ ببيان رئاسي يوضح لماذا، بعد عقود من المساعي التي تهدف إلى دمج روسيا في المؤسسات الغربية، يجب أن يجري التعامل مع نظام بوتين كخصم. يجب أن يكون محور هذا البيان هو كشف زيف ادعاءات بوتين التاريخية وتذكير الشعوب بأن الاتحاد السوفياتي كان «سجن الشعوب» وأن الكثير من دول وسط وغرب أوروبا انضمت إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي تحديدا من أجل الحفاظ على استقلالها عن موسكو. كما يجب أن يفضح البيان العلل الأخلاقية التي تشوب حكم بوتين، من استبداد وكراهية الأجانب وانعدام التسامح الديني والتعصب ضد مجتمع المثليين والمتحولين جنسيا.

يمكن أن ينقل هذا البيان أيضا إلى شعب روسيا أن عقيدة بوتين لا تتوافق مع المصالح الروسية الحقيقية. سمحت دعاية بوتين وقمعه لحريات الصحافة بأن تسيء موسكو تفسير المعاملة مع المتحدثين الروس في أوكرانيا، وأن تخفي دورها في إثارة الاضطرابات في هذا البلد. إنهم يشوشون على حجم تقويض سياسة روسيا الخارجية العدائية لطموحات الشعب الروسي في العيش في دولة حديثة، ذات اقتصاد متنوع لا يعتمد في الغالب على صادرات الغاز. يجب أن يكون التناقض بين تأييد بوتين للنظام الفيدرالي في أوكرانيا والحكم المركزي في روسيا جزءا أساسيا في هذا البيان الرئاسي. وجدير بالذكر أن المواطنين الروس يملكون حريات أقل من تلك التي يتمتع بها ذوو الأصول الروسية في جميع دول الجوار الروسي تقريبا.

أما بالنسبة للجماهير في الولايات المتحدة وغيرها، فيجب أن يوضح البيان لماذا رغم المشاكل الداخلية الملحة، يجب أن تواجه الولايات المتحدة سياسات بوتين. سوف يزيد الفشل في تقديم خطاب مضاد مكافئ من جرأة عدوان موسكو ضد دول أخرى بها جالية روسية كبيرة. وإذا ظل إشعال بوتين الصارخ للاضطرابات العرقية والعدوان من دون إيقاف، فسوف يتزعزع استقرار النظام العالمي، وسوف تسعى بعض الدول إلى الحصول على سلاح نووي ليكون الضمانة الوحيدة لأمنها، وربما تغزو دول أخرى الدول المجاورة لها أو تعمل على تفكيكها.

وبالطبع لا يغني أبرع خطاب أخلاقي وآيديولوجي عن اتخاذ الغرب لقرارات سياسية صارمة، بيد أنه من دون هذا الخطاب لن تتحقق أو تنفذ تلك القرارات.

* مساعدة وزير الخارجية للشؤون الدولية سابقا وكبيرة زملاء في مركز بلفر للعلوم والشؤون الدولية بجامعة هارفارد

* خدمة «واشنطن بوست»