30 يونيو ودول الربيع العربي

TT

الثورة التصحيحية في مصر التي قادها الشعب المصري 30 يونيو، يبدو أنها تلهم الآن آخرين في مواقع مختلفة، عدا أنها كانت ضمانة من تعملق مدّ «الإسلام السياسي» موجات الصعود في بلدان الربيع العربي وأبرزها ليبيا وفي العمق ثمة بلدان ربيعية تعمل المؤسسة العسكرية بواجهة مدنية، وهي قصّة تعكس صعود «العسكرة» في مقابل الإسلام السياسي حيث لا تقوى أي كتلة سياسية أخرى على مجابهته منفردة لأسباب طويلة متصلة بفترة صعود «الأصولية» ونشأتها.

الإشكالية ليست في صعود العسكرة، وإنما باعتبارها حالة قابلة للقياس والمقارنة وإعادة التكرار دون فهم الدوافع الكامنة خلف صعودها، وأبرزها كتل اجتماعية يمكن حشدها تجاه «الاستقرار» لكن لا يعني ذلك ضمانة ولائها السياسي بالمطلق، وإنما هو ولاء مشروط بالجانب الأمني والإحساس بالأمان يتجاوز أي دوافع نحو تغيير سياسي أو اقتصادي أو فيما يتصل بمسائل الحريات وحقوق الإنسان، فتلك قضايا تستلزم وعيا سياسيا تفقده هذه الجماهير العريضة التي منحت ثقتها لتجربة جديدة وهي الثورة، ثم لاحقا ارتدت عنها بعد اشتباكها مع أسلوب وممارسة الإسلام السياسي/ الإخوان وليس ضد المفاهيم العامة أيضا كما يتصور بعض الليبراليين، فالسياق العام والأفكار المؤسسة والمفاهيم ذات الامتداد الجماهيري أقرب إلى الإسلام السياسي في المجمل، ولذلك بدا الأمر مفاجئا باعتباره انقلابا ضد الذات.

الإرهاب الحقيقي الذي واجهته مصر بدءا من عمليات سيناء المبكرة التي أثبتت أن المواجهة السياسية عادة ما يترافق معها صعود موجات العنف والإرهاب الفوضوي، كان سببا رئيسا في تحول كتل اجتماعية بالكامل نحو خيار العسكرة وأهم كتلتين مؤثرتين هما «السلفيون» ولا أعني هنا فقط النخبة السلفية علماء ودعاة وكوادر فاعلة، وإنما الجماهير العريضة التي تقف وراءها والتي تتجاوز رقما وتأثيرا أي كتلة سياسية في طول العالم الإسلامي وعرضه، وبالطبع هناك كتل أقل تأثيرا لكنها في النهاية «سلفية» سياسيا كالمتصوفة والأقباط الذين كان لهم دور في ترسيخ مفهوم أولوية الأمن بدعمهم للجيش، وللحقيقة فحتى الأحزاب السياسية الفاعلة الليبرالية واليسارية وشباب الثورة رغم موقفهم تجاه الجيش فإن يقينهم بانهيار الجماعة الأم دفعهم للسطو على الفراغ الكبير في مقعد المعارضة والذي هو جزء من عملية التدافع السياسي الطبيعية والتي يجب أن لا تزعج صناع القرار.

التحالف «السلفي» السياسي الكبير الذي تحول إلى كتلة شعبية لها تأثيرها في مصر قد لا يتكرر في موقع آخر بسبب تفهم الإخوان خارج مصر للدرس جيدا ومحاولتهم العمل بالحد الأدنى من المطالب كما هو الحال في تونس واليمن.. إلخ.

والحال أن كل إمكانات وقدرات السيسي ومن ورائه الجيش المصري الوطني لم تكن لتؤتي أكلها لولا التحالف والدعم المطلق غير المشروط الذي حصل عليه من الكتل الاجتماعية التي وقفت وراءه في 30 يونيو، وهي من ساهمت في خلق حالة جديدة من الشرعية السياسية للجيش، ولا يمكن أن تنجح التجربة في موقع آخر دون الشروط الموضوعية، وبالتالي لا يمكن استخدام كارت «الحرب على الإرهاب» كسلاح لتصفية المعارضة السياسية.

من جهة ثانية، لا يمكن استدامة «الحرب على الإرهاب» بعد فترة استقرار أمني نسبية متوقعة في الفترة القادمة في مصر، فالأوضاع الاقتصادية مقلقة للغاية؛ العجز والإنهاك المالي يرتفع بصورة مفزعة 14 في المائة من الناتج المحلي وبنسبة دين عام مائة في المائة، في حين يعيش أكثر من 25 في المائة من المواطنين المصريين دون خط الفقر.

هذه الأرقام تبدو متشائمة لكنها أيضا محفزة إذا ما قورن حجم التوافق الشعبي على السيسي ومنسوب العنف بمعطيات وأسباب تدوير الأزمات السياسية عادة، فأمام المشير السيسي فرصة ذهبية صعبة، لكنها غير مستحيلة وإذا كان خصومه يترصدون لفشله فبالتأكيد أن نجاحه سيغير معادلات سياسية كبيرة في المنطقة..

[email protected]