«قنبلة» إيران بين «تأخير» رفسنجاني و«تسريع» خامنئي

TT

في تصريحه «التوضيحي» الشهير في الرابع من الشهر الحالي، قال الجنرال الإيراني يحيى رحيم صفوي، المستشار العسكري للمرشد الأعلى: «إذا سقط نظام الأسد فسيليه (حزب الله)، ثم الحكومة الإسلامية العراقية، ثم الجمهورية الإسلامية الإيرانية». اختصَر لماذا يستثمر النظام الإيراني كل هذا الكم الهائل لحماية النظام السوري. فلو أن العكس هو الذي يحدث الآن، ماذا كان فعل النظام السوري لحماية النظام الإيراني؟ ومع أي فريق كان سيقف، مع فريق آية الله علي خامنئي، أم مع فريق الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني؟ ربما كان اعتبر أن فريق خامنئي هو فريق الممانعة، وفريق رفسنجاني هو فريق الهرولة. وماذا بالنسبة إلى الشعب، فقد انتخبت أغلبيته الرئيس حسن روحاني، الذي هو من فريق رفسنجاني؟ وهل كان النظام السوري طلب من «حزب الله» في لبنان أن يرسل مقاتليه إلى إيران لحماية نفسه، وحماية النظام هناك؟

سبب هذه التساؤلات أن الوضع الداخلي في إيران يزداد سخونة ويتجه نحو الانفجار. مجموعة خامنئي تصف رفسنجاني وحكومة روحاني بـ«تيار الانحراف»، كما اعتادت أن تصف مير حسين موسوي (في الإقامة الجبرية هو ومهدي كروبي منذ عام 2009)، والرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. كما تصفهم أيضا بـ«تيار الفتنة». أما صحيفة «جمهوري إسلامي» (رفسنجاني) وتحت عنوان «التيار القلق» فإنها تصف الآيديولوجيين بالمجانين. خامنئي يكرر: «لن نستسلم ولن نتراجع»، ورفسجاني ومجموعته يرون أنه لا بد من تقديم تنازلات. أما الأميركيون فيقولون إنه يجب أن تشمل المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني برنامج الصواريخ الإيرانية، واستنادا إلى مداها فإنها موجهة إلى الخليج، كما إلى فرنسا وإسبانيا (مدى أربعة آلاف كيلومتر).

تطور الصراع دفع برئيس أركان الجيش حسن فيروز آبادي، في مؤتمر حضرته كل القيادات العسكرية وممثلي النظام، إلى القول في 19 الحالي إن على الطرفين أن يتجنبا التسبب في الانقسام عبر نشرهما الإشاعات والاتهامات بعضهما ضد بعض. ودعاهما إلى التوقف عن ذلك (وكالة «مهر»).

إذن ما يجري ليس تحليلا أو استنتاجا، إنما صار واقعا يضع النقاط على الحروف بعدما خرجت الصراعات والانقسامات إلى العلن.

في شهر أبريل (نيسان) الماضي، انتشرت في إيران لعبة على الإنترنت تحمل اسم «عودة مختار»، وضعتها مؤسسة حكومية، هدف اللاعبين فيها قتل «رؤوس الفتنة»: مير حسين موسوي وزوجته زهرة، ومهدي كروبي، ومحمد خاتمي ومهدي هاشمي رفسنجاني (ابن رفسنجاني)، والتصويب على أعلام الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل. واللعبة متداولة حتى الآن.

في المقابل، نقل فيديو على «اليوتيوب» مواجهة طلاب في جامعة تبريز لـ«صفر هرندي»، وهو مسؤول كبير في الحرس الثوري، عندما أراد إلقاء كلمة، فمنعوه قائلين: «كفى أكاذيب، لا نريد دولة بوليسية».. ورفعوا يافطات، وصفقوا بعضهم لبعض، وكرر هرندي محاولته لكن أصواتهم كانت أعلى، وصاروا يتقدمون إلى المنصة، فضاع صوته ثم أجبروه على الانسحاب.

على صعيد آخر، تحدث تقرير عن «خريطة طريق» وضعها رفسنجاني للتقارب ما بين السعودية وإيران. قد يكون رفسنجاني صادقا في هذا الطرح، لكنه أيضا لأسباب داخلية لا يريد أن تتحمل إيران نتائج هذا التقارب: فهل إيران مستعدة للخروج من سوريا؟ وهل هي على استعداد لوقف تسليح الحوثيين في اليمن؟ وهل تريد كبح جماح نوري المالكي في العراق؟ وماذا عن «حزب الله» في لبنان؟ الهدف أنهم يريدون تحقيق اللقاء، فهذا كسب لإيران. لكن ليس هناك من سبب يدعو للتقارب في ظل وجود خلافات حادة وعميقة.

خطاب المرشد لم يتغير تجاه الخارج، وبالنسبة إلى الداخل، فقد قال في 21 من الشهر الحالي: «على مدى 34 سنة تقف إيران ضد نظام الاستكبار».. وإن «قوى البلطجية» التي تترأسها أميركا غاضبة، إلا أن الصمود الإيراني كان وراء حماسة أمم العالم إزاء إيران.. وإن طرح قضايا مثل النووي وحقوق الإنسان، خصوصا الصواريخ، من قبل هذه القوى هو فقط تبريرات، لأنهم يريدون إخضاع إيران، لكن هذا لن يحدث إطلاقا.

وفي كلام موجه إلى رفسنجاني قال خامنئي: «إن استعمال الأكاذيب ضد إيران، مثل المجموعة الدولية، خطأ، وعلينا ألا نستعمل ألفاظا كالتي يستعملها الأعداء، لأن الحقيقة هي أن هؤلاء لا يمثلون المجموعة الدولية بل يمثلون بعض الحكومات المستكبرة المتأثرة بشركات تنتمي إلى الصهيونية. المجموعة الدولية الحقيقية مكونة من أمم وحكومات مظلومة ليست لديها الشجاعة لمواجهة قوى البلطجية».

الذي يدعو إلى عدم الوقوف في وجه المجموعة الدولية هو فريق رفسنجاني – روحاني. خامنئي بتعريفه يرى أن العالم معه، والوقت إلى جانبه، وبالتالي مع هكذا خطاب لن يكون هناك اتفاق لا مع الأميركيين ولا مع الغرب.

لم ينتظر رفسنجاني طويلا، إذ رد موقع «جمهوري إسلامي» في اليوم التالي، مشيرا إلى استمرار «سعادة» البعض في الدولة بسبب فشل مفاوضات فيينا، وقال: «يبدو أن مجموعة (القلقين) مما تفعله الحكومة ستصاب بأذى لو نجحت المفاوضات. هم سعداء لأن اهتمامهم هو في استمرار المقاطعة، تماما مثل النظام الصهيوني. يجب أن نشكك في قدراتهم العقلية، فهم غير قادرين على تفهم المصالح الوطنية، ويفتعلون هذه الأجواء دفاعا عن مصالحهم الشخصية».

التدهور في العلاقات بين الطرفين لم يقف عند حد نعت المتطرفين لمجموعة رفسنجاني – روحاني بالخيانة، ونعت المجموعة الأخيرة للمتطرفين بالمتخلفين عقليا مثل النظام الصهيوني، بل وصل التدهور إلى الحديث عن الفتنة، واتهام المتشددين لمجموعة رفسنجاني بأنها تعبث بإرث الخميني، ذلك أن رفسنجاني يركز على الشعب وخياراته، فالشعب هو قاعدة روحاني، وهو فوق ولاية الفقيه التي يستمد خامنئي القوة منها.

خلال الاضطرابات التي رافقت أحداث سجن «افين» قال رفسنجاني إن هذه أزمة يجب أن نحقق فيها، فرد موقع «صراط» المقرب من حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة «كيهان»، بأن رفسنجاني يمهد الطريق لفتنة جديدة من قبل أعداء الثورة. وقال صادق لاريجاني، رئيس السلطة القضائية: «سنقاتل بحسم ضد أي محاولة لنشر الأكاذيب، وإيذاء الأمن القومي، من أجل إعادة إحياء الفتنة».

إذن، بدأوا في تكبير حجم صراع الفتنة ضد رفسنجاني، من تيار الانحراف إلى تيار الفتنة، وقد يصل الوضع إلى صراع علني خلال أشهر قليلة، وقد يتطور إلى العنف، إذ قال روحاني في 30 أبريل الماضي: «إذا أرادت مجموعة محددة أن تتجاوز قرار أغلبية الناس، وأن تعطل قرارات الحكومة ومصالح الشعب، عندها سينزل الشعب إلى الشارع للرد عليها».

بعد تحذير فيروز آبادي لم يتوقف تبادل الاتهامات، لا بل ازداد. وفي ظل هذا الصراع مع من يكون التفاهم أو التقارب؟ إن أي تقارب إقليمي مع إيران سيصب في خانة خامنئي وسيضعف رفسنجاني. خامنئي لا يريد أن يتنازل.

التكتيك الإيراني برفع الصوت، وتكبير الصورة وتضخيمها ينحصر هذه المرة بين الطرفين الأساسيين المتصارعين في الداخل. ثم كأن مجموعة رفسنجاني تطلب من الغرب عدم الضغط عليها كي تتخلص من مجموعة خامنئي. وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن الطرفين يناوران، هذا إذا كنا لا نريد الوثوق بمجموعة رفسنجاني، لكن هناك من يقول إن رفسنجاني وروحاني صادقان ولا يناوران، إلا أن الثمن الذي يطلبانه مرتفع جدا، وهو الإبقاء على البرنامج النووي الإيراني.

رفسنجاني يريد تبردة الملف النووي لعدة سنوات، لكن ماذا سوف يحصل بعد ذلك؟ وماذا إذا اختطفه الموت ولم يعد هناك من غطاء قوي لروحاني وقد لا تكفيه حنكته؟

ما يقوم به رفسنجاني ليس ألاعيب تكتيكية، إنما استراتيجية للسنوات المقبلة، ولا تنحصر في الملف النووي إنما تغطي كل إيران. وإذا سارت إيران على الطريقة التي يفكر بها رفسنجاني وروحاني فسيكون هناك إنترنت حر، على الأقل، ولا نعرف بعدها أي إيران ستكون بعد عشر سنوات.

رفسنجاني يقوم باللعبة نفسها التي لعبها ميخائيل غورباتشوف. كان يريد أن يبقى الاتحاد السوفياتي لكن ما أوجده كان طريقا بلا عودة.

رفسنجاني يريد تقوية المجتمع، وفريق خامنئي يريد قمعه. رفسنجاني وروحاني يريدان تخفيف الضغوط عليهما من العالم بالنسبة إلى النووي، لكن رفسنجاني يريد تأجيل القنبلة لعدة سنوات تصبح خلالها إيران غير عدائية، فيما خامنئي لا يريد التأخير. كان رفسنجاني الوحيد الذي قال إن قنبلة نووية على إسرائيل ستنهيها، وقنبلة على إيران لن تنهيها.

الفرق بين رفسنجاني وخامنئي واضح وصحيح، لكن للمعنيين بأمر التقارب ألا ينخدعوا وألا يقبلوا. لنرَ أين سيصل الصراع. يجب عدم الخضوع للإغراءات الإيرانية أو لمخاوف رفسنجاني. باختصار: لا تنخدعوا بمسكنة جانب، أو بتهديدات جانب آخر.