البطاطس السعودية!

TT

أتابع باهتمام التطور والتغيرات وعلامات ومؤشرات الانتقال في الاقتصاد السعودي، وذلك باعتباره الاقتصاد الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وإحدى أهم الكتل الاقتصادية المؤثرة في العالم.

وبات معروفا وليس بسر السعي الدءوب الذي تسعي إليه السعودية لمحاولة توسيع قاعدتها الاقتصادية والخروج من أزمة وإحراج الاعتماد على النفط سلعة واحدة للدخل، وبالتالي كان الاهتمام تقليديا موجها لقطاعات الصناعة (وخصوصا تلك التي لديها قيمة إضافية وعلاقة طبيعية تكاملية مع منتج النفط)، وكذلك لقطاعات الخدمات بمختلف أشكالها، ولكن هناك قصص نجاح تستحق الوقوف أمامها بعمق وتدقيق وتمعن، وبحكم عملي الاستشاري ألتقي دوما مع قادة الشركات العالمية، وكم كان مدهشا ذلك الحديث الذي حصل بيني وبين رئيس شركة «بيبسي» العالمية - وهي شركة تمتلك شركة «فريتولاي» المصنعة للرقائق من الذرة والبطاطس - فلقد وضح لي أن شركة «فريتولاي»، التي تصنع رقائق البطاطس المعروفة باسم «لايز» تجاريا تعتبر البطاطس المزروعة في السعودية والتي تستخدمها في منتجاتها، البطاطس الأفضل لها على مستوى العالم، وزادت دهشتي عندما عرفت أن السعودية بفضل حجم جغرافيتها الواسعة قادرة على إنتاج البطاطس على مدار السنة بشكل منتظم ولكل موسم، فهي تقوم بالحصول على إنتاج البطاطس من منطقة وادي الدواسر للفترة من شهر يناير (كانون الثاني) حتى شهر مايو (أيار)، ثم من منطقة حائل في شهر يونيو (حزيران) إلى شهر يوليو (تموز)، وأخيرا من منطقة الجوف من شهر أغسطس (آب) حتى شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، وهم يصنفون المحصول الذي يخرج من منطقة وادي الدواسر كالأفضل حول العالم. ومن المهم الإشارة إلى أن الشركة تقوم بتوريد «البذور» وتقديمها للشركات التي تزرع البطاطس، وتأتي البذور من منطقة أميركا الجنوبية وتحديدا من البرازيل، وهي الدولة التي جرى اكتشاف البطاطس تاريخيا فيها ومن ثم نقلها بعد ذلك إلى العالم الجديد والقديم.

والبطاطس لها وجود قوي جدا في البرازيل وتنتج بأنواع وأشكال مختلفة؛ فيها الأزرق والأحمر والأخضر. وفي ولاية آيداهو بالولايات المتحدة كانت تنتج فيها البطاطس الأفضل حول العالم وحازت رضا واستحسانا استثنائيين من سلسلة المطاعم الأميركية للوجبات السريعة «ماكدونالدز».

وفي العالم العربي كانت البطاطس المصرية والأردنية والسورية واللبنانية تحظى بمكانة خاصة جدا، ولكن اليوم وبشكل مهم ومدروس ها هي البطاطس السعودية تأخذ المكانة الأولى كأجود بطاطس تنتج حول العالم في مفاجأة صادمة ومدهشة عن بلد صحراوي بطبيعته، لكن من الواضح أن السياسة الزراعية المدروسة التي يشرف عليها وزير الزراعة السعودي المتألق فهد بالغنيم تأتي بنتائج أقل ما يقال عنها إنها مبهرة وتعالج (بقدر المساحة المتاحة له) مسألة توسيع رقعة الاقتصاد السعودي، وما ينطبق على البطاطس من الممكن جدا أن ينطبق على سلع أخرى بكل سهولة وهو ما يجري عمله.

التخطيط المدروس لوزارة الزراعة السعودية هو الذي مكنها من تجاوز أزمات القمح الأوكراني وتحولت مؤسسة الصوامع والغلال إلى جهاز محترم ويدار بكفاءة لافتة ومطمئنة.

قصة نجاح البطاطس السعودية درس ونموذج لما يمكن عمله بعد دراسة وجهد وتخطيط وتنفيذ دقيق، فلا يزال بالإمكان إبهار الذات قبل إبهار العالم.