الفرحة تليق بالمصريين

TT

ما رأيك؟ هل شاهدت هذه الفرحة من قبل في البلاد التي اخترعت الديمقراطية؟ هل عرفت من قبل أن الإدلاء بصوتك داخل الصندوق يتطلب أن ترقص وأن تغني، يعني أن تكون فرحا. هنا يعطي المصريون معنى جديدا للديمقراطية، هو الفرحة المنطلقة بغير حدود. ولكن بوصفي من عجائز الفرح والفرحة، كان كل همي أن أعرف معنى هذه الفرحة وسرها. هذه الفرحة، يا سادة، يمكن وصفها بأنها فرحة وجودية، هؤلاء الناس كانوا مهددين في وجودهم ذاته، وهم الآن فرحون لأنهم استطاعوا الحفاظ على هذا الوجود، لقد خابت الحملة عليهم، فشل أعداؤهم في القبض على أرواحهم، كما فشلوا في إخافتهم وترويعهم بحوادث القتل العشوائية الخسيسة، الآن اتضحت ملامح الفريقين، فريق يأكل السواد، ويأكله السواد، يتغذى على الخسة يأكلها على مائدة الشيطان، وهو شيطان خائب كما ترى، لأنه فشل في حرمان المصريين من الفرحة.

الحزن يليق بالأوغاد. أما الفرحة فتليق بالمصريين. هل أذكرك بالطعنات المسمومة التي كانت تطعن في شرفه الانتخابي وتحملها هذا الشعب في صبر جميل. قيل إن هذا الشعب يبيع صوته الانتخابي بزجاجة زيت، وكيلو سكر. ترى بكم يبيع صوته الآن؟ هو يبيعه فقط بفرحة الدنيا.

هذا هو المؤشر إلى المستقبل يا سادة، كل مشاريع المصريين يجب أن يتضح فيها عنصر الفرحة، وعنصر الفرحة الوحيد الذي تعرفه السياسة هو الإنجاز.. وأذكرك للمرة الألف، الدنيا ليست محلا للسعادة بل للإنجاز.

بالنسبة لي، أنا أعتقد أن صواب أي فكرة نابع من قدرتها على أن تكون سببا في فرحة ما.. عد إلى طفولتك، عندما كانت الفرحة هي المقياس لكل ما يشعرك بجمال طفولتك. والدموع هي الرد الوحيد على غياب هذه الفرحة. لتكن كل أيامنا المقبلة أفراحا لا تعرف الدموع.. أي لتكن مليئة بالإنجاز.

الحزن عند الشعب المصري قديم قدم التاريخ، ومن النادر أن تجد مثلا شعبيا يحدثك عن الفرحة، فالأحزان كانت هي البضاعة المتوافرة في الأسواق لآلاف السنين، والمثل الوحيد الذي يحضرني الآن، متشائم إلى أقصى درجة.. «جت الحزينة تفرح، ما لقيتلهاش مطرح».. يعني لا يوجد مكان لا للفرحة ولا للفرحين. هل عرفت هذا القدر من التشاؤم في أي مثل شعبي آخر؟

وأخيرا تحدث المعجزة. كل الحزانى وجدوا مكانا للفرحة، الحزينة هذه المرة كانت الفلاحة المصرية أو ربة البيت وجدت مكانا تفرح فيه بطول وادي النيل وعرضه، بعدد مقراته الانتخابية.

ولكن لدينا مشكلة، هي الإخوة المثقفون غير الفرحين، والذين عرفت أخيرا أن لديهم تنظيما للدفاع عن الملوخية، يسأل في ذلك الصديق إبراهيم عيسى، لا بأس.. يدافعون عن الملوخية، عن البطاطس عن الكوسا عن الفاصوليا، المهم هو أن يبتعدوا عن فرحة المصريين.