حكم النبي محمد في المدينة

TT

في 28 مايو (أيار)، الموافق للذكرى الشريفة لإسراء النبي محمد ومعراجه، ألقى الرئيس الإيراني حسن روحاني خطابا ركز فيه على نقطة ذات أهمية. من المثير للاهتمام أن الخطاب ألقي في مكتب آية الله خامنئي، وفي حضور المرشد الأعلى، وجميع الوزراء، ونواب البرلمان، والقادة العسكريين، وأئمة الجمعة، ورئيس السلطة القضائية، وأعضاء مجلس تشخيص مصلحة النظام، وجميع سفراء الدول الإسلامية. في إيران، تعقد مثل تلك الجلسة في مكتب المرشد الأعلى على الأقل مرتين سنويا.

في العموم تكون خطبة المرشد الأعلى هي المهمة، بينما يأتي خطاب الرئيس تمهيدا أو جزءا من البروتوكول. ولكن في هذه المرة، كان خطاب روحاني جديرا بأن يوضع في الاعتبار. أعتقد أن في هذه المرة اتخذ روحاني خطوة أكبر من الرئيس خاتمي، الذي قال إننا نتطلع إلى إقامة مجتمع مدني مثل مدينة النبي.

لم يدُر خطاب روحاني حول موضوعات سلبية، ولم يتحدث فيه عما يتفق مع هوية أو رد فعل عدو الثورة.

في البداية، سوف أذكر النقاط المهمة التي وردت في خطاب روحاني:

1- جذب نبي الإسلام المعظم (صلى الله عليه وسلم) القلوب برفقه وأهدى العلم والنبل والقيم الروحية إلى البشرية. يكمن صميم أعظم معجزات النبي في الكلمات والمنطق، وهما الوسيلتان اللتان استعان بهما في حياته المباركة الزاخرة.

2- وقال الرئيس: «هو النبي الأمين على الأسرار العظمى، المتصل بالسماء، ولكنه لم ينأَ بذاته مطلقا عن العقلانية والحكمة».

3- اعتمد النبي العظيم (صلى الله عليه وسلم) في الحروب وفي فترات السلام على الحكمة والتفكير السليم. في موقف صلح الحديبية (الذي أقامه مع المشركين)، والذي رآه البعض اتفاقا ظالما، حقق الرسول نصرا، بفضل عقده هذا الاتفاق السلمي لم يكن ليحققه ولو خاض 100 حرب.

4- استطاعت رسالة النبي المباركة أن تجذب الجميع إليه؛ وأقام معاهدات مع القبائل ومع الكفار، وبهذا حكم المدينة، وكان يعلم سبل الحياة إلى أجيال المستقبل وإلى المسلمين.

5- إن نبي الإسلام رسول الاعتدال والرفعة والعلم والهداية والرخاء والحيوية والبناء.

6- الإسلام ليس مجرد دين لتحمل الابتلاءات والمصاعب، فقد كان نبي الإسلام (صلى الله عليه وسلم) هاديا في حياتنا المادية وإلى الآخرة.

أعتقد أن جميع النقاط الست المذكورة آنفا بالغة الأهمية، ومكمل بضعها لبعض. ولكني أرى أن أهم وأكثر نقطة مثيرة للجدل هي شرعية حكم النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).

يبعث تأكيد روحاني على العقد أساسا لحكم النبي في المدينة برسالة كبرى في مثل هذا اللقاء المهم.

ولكن عندما بحثت في بعض الصحف والمواقع الإلكترونية، لاحظت أن تلك النقطة مفقودة تماما! هل يعني ذلك أن الرسالة لم تصل؟ لا أظن ذلك؛ بل أرى أن الرسالة مثل البذرة الطيبة سوف تنمو، لأنها رسالة معقولة تقوم على آيات القرآن.

ما هي أهمية أن يذكر روحاني أن شرعية حكم النبي قامت بناء على عقد معاهدات بينه وبين الجميع من كفار ويهود وغيرهم؟ يعني ذلك أن مصدر شرعية الحكومة يرجع إلى الناس وليس السماء. يقول روحاني إن الرسول (صلى الله عليه وسلم) عندما لم يحكم وفقا لما يوحى إليه من السماء، بل حكم بناء على أرض الواقع، كان في ذلك مأمورا من الله بالتشاور مع الناس، وبناء على هذه الشورى يتخذ قراره. هذا حديث فريد في إيران.

ذلك لأن روحاني نقل اتجاه نظرية الحكم في ولاية الفقيه من السماء إلى الأرض؛ من الحق السماوي لفرد واحد إلى حق الناس؛ من الأفكار التقليدية إلى الأفكار الحديثة؛ من آية الله مصباح إلى روسو!

إذا قبلنا بوجوب اعتماد الحق في الحكم على رضا واختيار الناس، كما ورد في القرآن صراحة، فسوف تصبح لدينا مساحة لانتقاد كلمات أو أفعال الولي الفقيه، نظرا لأنه لم ينزل من السماء، وأن معرفته ليست بوحي منها، أو بمعنى أنه ليس شخصا بريئا - فعلى نقيض من الكاثوليكية، ليست لدينا معصومية بابوية في الإسلام. وبهذا يقدم لنا قبول العهد مصدرا لشرعية الحكومة تفسيرا جديدا لنظرية الحكم في الإسلام، على الأقل في المذهب الشيعي، ولا سيما فيما يتعلق بنظرية الإمامة وولاية الفقيه.

كان آية الله الخميني فقيها ومتصوفا وعالم دين وفيلسوفا، إذ جمع أربع نظريات معا لتكوين نظريته، السلطة المطلقة للفقيه.

النظرية الأولى هي نظرية الملك الفيلسوف لأفلاطون. تبنى آية الله الخميني هذه النظرية واستبدل فيها الفقيه بالفيلسوف. أما النظرية الثانية التي استخدمها فهي الإنسان الكامل في الصوفية، وخاصة نظرية ابن عربي. وكان آية الله الخميني واحدا من أتباعه، ولكنه استبدل الفقيه بالمتصوف.

وكانت النظرية الثالثة التي أضافها آية الله الخميني هي الإمامة الشيعية. وفقا لهذه النظرية، ينظر إلى الإمام بصفته وكأنه بمثابة نبي من حيث تكليفه من الله ليكون الوصي المطلق على الناس، وعلى ذلك وضع الفقيه محل الإمام المعصوم أو النبي. وتتمثل النظرية الرابعة في المملكة الإيرانية الأسطورية، كان الملوك الأسطوريون، مثل هؤلاء المذكورين في الشاهنامة، يتمتعون بالكاريزما (فرهمند). ولكن اتخذ آية الله الخميني الفقيه بديلا عن الملوك القدماء.

في إيجاز: بناء على نظرية السلطة المطلقة للفقيه - ولاية الفقيه - يجلس الحاكم أو المرشد وكأنه على عرش إله. في المقابل، وفقا لنظرية العهد «وأمرهم شورى بينهم»، يمكن أن تتوفر لدينا مساحة للتنفس، وللحوار، وفرصة مناسبة لانتقاد الحكومة!