البقاء أحيانا للأضعف!!

TT

عدد الأعمال الدرامية في رمضان القادم تضاءل بالقياس للعام الماضي وهكذا وطبقا لنظرية العرض والطلب فإن الفنانين خاصة ممن نطلق عليهم «الصف الثاني» الذين يحصلون في العادة على مساحات درامية قليلة وأجور لا تتجاوز الأصفار الثلاثة أو الأربعة على اليمين، سوف يتضاءل أيضا عدد أعمالهم، إلا أنني لاحظت أن هناك من يتواجد بكثرة برغم موهبتهم المحدودة.

خُذ عندك مثلا تلك الفنانة برغم أن ملامحها تخاصم الجمال والأهم أنها بلا موهبة فإن أغلب النجمات يفرضن على المخرج تواجدها بجوارهن ليشعرن بأنها تحقق لهن الاطمئنان لأن عين المتفرج لن تذهب بعيدا عنهن. أو هذا الفنان الذي يُطلق على نفسه «كوميديانا» بينما لم يضبطه أحد متلبسا بزرع حتى ابتسامة عابرة على وجه متفرج واحد طوال تاريخه، أخذ عشرات من الفرص على مدى 20 عاما دون جدوى، زملاؤه أصبحوا نجوما وهو لا يزال محلك سر، إلا أن المفاجأة هي أنه لا يزال مطلوبا في السوق ويحرص كل رفقاء الطريق من نجوم الكوميديا على أن تسند له أدوار بجوارهم، وجوده في «الكادر» يؤدي إلى أن يتطلع المتفرج إليهم فهو بالنسبة لهم مجرد سنيد ثقيل الظل، دوره هو تسخين الجمهور لكي ينتظر طلتهم على الشاشة.

في الحياة دائما هناك تنويعات مماثلة لصحافيين وإعلاميين تتضاءل مواهبهم ولكن مرحب بهم في إطار معادلات متشابهة تحيل الموهبة إلى لعنة على أصحابها.

لو تتبعت مثلا ما يجري في عالم المسلسلات ستكتشف أن المخرج المطلوب في السوق هو أولا المطيع للنجم ينفذ أوامره ولا يقول له «بم»، ثانيا هو القادر على إنجاز وتصوير عدد أكبر من الدقائق في اليوم وهكذا ظهر في سوق الدراما تعبير «بريزة» و«صفيحة»، البريزة تعني تصوير 10 دقائق والصفيحة 20 دقيقة في اليوم، ولهذا فإن الأقل إبداعا واهتماما بالتفاصيل القادرين على أن يتحولوا إلى أتباع للنجوم والنجمات ولشركات الإنتاج هم المخرجون المطلوبون أكثر، قد تكتشف أن نجما كبيرا يصر على اختيار مخرج ما لكل أعماله الفنية، للوهلة الأولى تعتقد أنه يحقق له أعلى درجات الإبداع وبينهما توافق وكيميائية بينما النتائج على الشاشة تقول شيئا آخر وكواليس هذا المسلسل تؤكد أن النجم هو الذي يوجه المخرج وأن الوظيفة الحقيقية له هي أن يشع جوا من البهجة والمرح في الاستوديو.

النجاح الطاغي قد يؤدي إلى استبعاد فنان موهوب من الخريطة خوفا من سرقة الكاميرا. الفنانة القديرة كريمة مختار قبل 7 سنوات تألقت في دورها «ماما نونه» في مسلسل «يتربى في عزو» وحصلت أكثر من مرة على جائزة أفضل نجمة عربية، منذ ذلك الحين وهي لا تجد مساحة درامية مماثلة في عمل فني آخر يستوعب كل هذه الطاقة، وكأنها تدفع ثمن تألقها كبطلة موازية ليحيى الفخراني في هذا المسلسل.

المفروض أنه في كل المجالات تمنح الموهبة قوة لصاحبها تمكنه أن يقول لا في وجه منتج أو مخرج أو نجم جائر، بينما عديمو الموهبة يدركون أن قوتهم الحقيقية معادل موضوعي لمدى قدرتهم على الخضوع بلا أي شروط مسبقة سوى الإمعان في الاستسلام.

إنه زمن الخفوت وتضاؤل المواهب، وهكذا أصبح هؤلاء في مقدمة الكادر وسلاحهم هو قوة الضعف، مع الزمن حتى هؤلاء يجدون لهم بدلاء أقل حضورا أمام الكاميرا وعلى خشبة المسرح، البقاء ليس دائما للأقوى كما يقول: «داروين»، أحيانا نكتشف أن للضعفاء نصيبا أكبر في البقاء!