جنون اسمه الفراعنة!

TT

العالم كله لا يزال يهيم بسحر الفراعنة، ولا يزال هناك في كل بلد من بلدان العالم من يفكر في سر الأهرام ويحاول أن يصل إلى إجابة عن السؤال المحير: كيف بنى المصريون القدماء الأهرام؟ وهناك من يبحث في أسرار التحنيط وأسرار علوم الطب والفلك والهندسة؛ هذا بالإضافة إلى سحر كنوز مقبرة الفرعون الشاب توت عنخ آمون.

كل يوم يمر يتأكد لي أن سحر الفراعنة قد غزا وتمكن من قلوب البشر، ولتأكيد ذلك أحكي لكم ما حدث لي منذ أيام مضت، حيث كنت ألقي محاضرة في متحف مدينة فيلادلفيا وبعد انتهاء المحاضرة تقدمت سيدة ضمن من جاء ليسلم أو يسأل عن أمر يشغله بخصوص الفراعنة وعالمهم، أو من يريد توقيعي على أحد مؤلفاتي، لكنني فوجئت بهذه السيدة تخبرني بأنها تقوم بتدريس التاريخ في مدرسة ابتدائية بقرية صغيرة، ومن ضمن ما تدرسه لتلاميذها تاريخ الفراعنة.

واستطردت السيدة تقول: «شاهدت أنا والتلاميذ كل ما قمت به من أفلام وثائقية كان آخرها سلسلة مطاردة المومياوات».

وختمت السيدة حديثها بطلب ترتيب لقاء عبر أحد برامج المحادثة المتوفر على شبكة الإنترنت، واتفقنا على الموعد وكان في اليوم التالي للمحاضرة، حيث وجدت نفسي في مواجهة 40 تلميذ وتلميذة، وقد سألتهم المدرسة أن يقوموا بتقديم أنفسهم لي، فقام أولهم وقال لي: «أنا الملك نارمر الشهير بمينا موحد القطرين.. أنا أول ملك في التاريخ القديم يقيم دولة لها عاصمة سياسية ونظام حكم!»، وقام الثاني ليقدم لي نفسه ويقول: «وأنا إيمحوتب أول مهندس معماري في التاريخ القديم.. وأول من بنى هرما لملك في مصر، وهو المعروف بالهرم المدرج بسقارة للملك زوسر!».

وقامت زميلته لتقدم لي نفسها وتقول: «وأنا الملكة إياح حتب زوجة الملك الشهيد سقننرع الذي مات وهو يجاهد لطرد الغزاة الهكسوس من مصر، وقد أعددت ولدي الملك الشهيد كامس لحمل راية الكفاح ضد الغزاة المحتلين، وساندت ولدي الصغير أحمس وربيته تربية عسكرية حتى استطاع هزيمة الهكسوس وطردهم، وتكوين أول إمبراطورية مصرية حكمت العالم القديم من قلب طيبة المعروفة الآن بالأقصر!».

واستمر الأمر هكذا على مدار نصف الساعة، فهذا خوفو صاحب الهرم الأكبر بالجيزة، وهذا هو الملك رمسيس الثاني أعظم البنائين في العالم القديم وقد شيد المعابد والمقاصير والقصور في طول البلاد وعرضها، وهذه إيزيس ربة السحر عند الفراعنة ورمز الأمومة، والأخرى هي حاتحور ربة الجمال والخير عند الفراعنة.

لم تكن دهشتي فقط لأن هؤلاء التلاميذ في هذه السن الصغيرة، حيث لم يتعدوا العاشرة من عمرهم، يعرفون عن التاريخ المصري القديم ما لا قد يعرفه طلبة أقسام التاريخ والآثار بجامعاتنا، ولكن كانت دهشتي من هذا الحب الجارف للحضارة المصرية القديمة وآثارها، وكيف غزت قلوب الكبار والصغار.

وكانت أمنية كل طفل من هؤلاء هي زيارة مصر ورؤية ما يقرأون ويسمعون عنه من مدرستهم التي زاد احترامي لها لما نمته في قلوب هؤلاء الصغار من عشق لمصر، ولو كان الأمر بيدي لوجهت لهم الدعوة وعائلاتهم لزيارة مصر.

أما عن حديثي لهم فقد تلخص في أنني حكيت لهم كيف وجدت حبي وعشقي بالعمل في الآثار بعد أن عثرت على أول تمثال أثري وكان لأفروديت في موقع يسمي كوم أبوبللو، وأكدت لهم أن الإنسان إذا أحب عمله أيا كان فسيبدع فيه حتما.. واختتمت حديثي بأن الشمس التي أشرقت على مصر طوال عصورها الفرعونية والمسيحية والإسلامية حتما ستشرق من جديد على الأرض الطيبة.