انتخابات الدم والضمير الضائع

TT

كم كنت أتمنى أن يكون لي بلد ديمقراطي تعددي يحترم الحريات، ويضبط كل شيء فيه بالقانون، حيث يخضع الجميع له بدءا من رئيس الجمهورية، مرورا بالوزراء والمسؤولين، وانتهاء بالمواطنين.. دولة يفصل فيها بين قوى السلطة من عدالة وأمن وهيئة تنفيذية، في بلد لا أخشى فيه على مستقبل ولدي وأولاد وطني، يضمن الحاكم فيه مستقبل أبناء جميع السوريين، بلد ديمقراطي تتاح فيه الفرصة لكل من أراد أن يكون له أمل في أن يصل إلى سدة الحكم عبر أصوات الشعب الحرة، يفكر بذلك الحاكم كيف يرضي شعبه ويخدمهم ليوصلوه إلى الحكم عبر انتخابات نزيهة.

وكم كنت أتمنى من الدول الكبرى، والدول الإقليمية التي تتغنى بالحرية والديمقراطية، أن تفكر بشكل جاد في دعم الفكر الديمقراطي لسوريا، ولكنهم لم يفعلوا، وعلى عكس ذلك تفكر هذه الدول وفق مصلحتها، بينما تعيش بلادي الحبيبة، سوريا، تحت نيران القصف الجوي بالبراميل المتفجرة والصواريخ وشتى الأنواع من الأسلحة، في بلد يقتل حاكمه أطفال شعبه والنساء بالأسلحة الكيماوية والصواريخ الباليستية، في بلد رئيسه وموالوه يغتصبون النساء والأطفال، ويذبحونهم للاتجار بأعضائهم.

كل ما سبق يحدث في سوريا، حيث هناك حاكم هجّر أكثر من نصف شعبه إلى دول الجوار والمدن الأخرى في البلاد، فيما يعيش الأطفال في العراء جياعا مرضى دون رعاية أو اهتمام أو تعليم، مما جعل أجيالا مهددة بسلوكيات معينة نتيجة حاجتها إلى الرعاية النفسية وإعادة التأهيل.

اليوم وبعد مرور ثلاث سنوات ونيف على ثورة الكرامة والعزة، مارس حاكم سوريا خلالها كل أنواع الإجرام بحق من يجب أن يحكمهم بالعدل والقانون، وأن يوفر لهم كل مستلزمات المعيشة والتعليم والإيواء، جالبا لهم المرتزقة والإرهابيين من إيران والعراق ولبنان لقتل أبناء الشعب السوري العصي - أجرى هذا النظام الفاسد والمجرم انتخابات لتجديد عهد القتل والقتلة فيه.

كانت البداية الثورية مع العبرة والقصة من قلب مدينة درعا، نرويها لكل من يسأل عن سوريا، فنقول بأن الطفل الشهيد حمزة الخطيب، قتل فقط لأنه كتب على جدران مدرسته كلمة «حرية»، فقضى تحت التعذيب في فرع أمن النظام، أما الآن فهناك مئات الآلاف من القصص التي تكاد تكون أكثر إجراما من قصة الشهيد حمزة الخطيب، مئات الآلاف من القتلى والمشردين والأيتام والمغتصبات، فكيف لنا رواية ذلك للإنسانية جمعاء، وكل ما يحدث يجري تحت أنظار المجتمع الدولي الذي يكتفي بالنظر من بعيد دون الاقتراب!

فالنظام الدولي نظام مصالح لا نظام عدل، والأمم المتحدة عاجزة عن تحمل مسؤولياتها، بسبب الفيتو الروسي - الصيني المزدوج في مجلس الأمن، فضلا عن عجز الدول الصديقة ودول (الكور)، عن اتخاذ القرار الحاسم في الملف السوري.

إن البشرية تعلم طغيان (فرعون)، ومجازر (هتلر)، والكل يدين جرائم هذين المتجبرين حتى يومنا هذا، ولكن رغم توافر الإمكانات في العصر الحديث، وتنوع الوسائل لدى الدول الصديقة، فإنهم لا يحسمون الوضع في سوريا لصالح الشعب، بينما نشهد أن الأجيال ستوثق للمستقبل الانتهاكات والجرائم في سوريا، الأمر الذي لا نريده، بل نريد أن ينهي المجتمع الدولي دراما الدم والموت والدمار في سوريا، اليوم قبل الغد، رغم أن ما يجري يحدث تحت أنظارهم، فلم يوفر الناشطون وسيلة للتوثيق إلا واستخدموها من أجل تثبيت هذه الانتهاكات.

إنها انتخابات الدم، نعم دم الأطفال والأبرياء، انتخابات حاول الأسد من خلالها الإبقاء على تسلطه لدولة دمرها بالكامل، وقتل واعتقل نحو عشرة في المائة من أبنائها، بينما شرد نصف سكان البلاد في الداخل والخارج، فكيف لإنسان سليم العقل أن يحلم بالرئاسة التي بناها على دماء أبناء جلدته ووطنه، وهنا يكمن التساؤل: هل هذا الرئيس سليم العقل؟ ليكون الجواب، بالطبع: لا، فهل من المنطق أن يكون حلم بالفوز في الانتخابات، وأكثر من نصف الشعب لن يشارك فيها؟!

ما يتوجب علينا فعله في هذه المرحلة، أن نحث الدول الصديقة على ألا تسمح بأن يكون لانتخابات الدم أي دور في هذه المسرحية، بل على المجتمع الدولي ألا يعترف بنتائجها، فالتاريخ سيحاسب كل مخطئ على خطيئته، فعليها الحذر من ذلك.

انتخابات الدم، هي الضربة القاضية لحل أزمة البلاد بالحوار السلمي، حيث إن محادثات «جنيف 2» وصلت إلى طريق مسدود كما هو معروف، وهذه الانتخابات قطعت الأمل بالحل السلمي بشكل نهائي.

وفي هذا الصدد، على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته تجاه الشعب السوري المظلوم، وتزويد «الجيش الحر» بالأسلحة النوعية التي وعد بها، وإنهاء الصراع في أقرب وقت ممكن، لأن كل يوم يمر على سوريا يقطف مزيدا من الأرواح والآمال، وكل يوم يمر على سوريا يمر موتا ودمارا.

وأنت - أيها الديكتاتور - ما بنيته على دم الأبرياء باطل، وأنت لا تمثل أي مواطن سوري أبدا، وأنت لست برئيس لهم، بل أنت رئيس الإجرام، تحمل بين كفيك دماء الأطفال والنساء والشيوخ والشباب الذين كنت سببا في قتلهم.

* عضو الهيئة السياسية

في الائتلاف الوطني السوري