العاهل المغربي في تونس.. والجزائر حاضرة بالغياب!

TT

من الأسئلة التي يطرحها أي رئيس فرنسي يدخل قصر الإليزيه على مستشاريه، السؤال التالي: أيهما يزور أولا الجزائر أم المغرب؟ وتتحدد الإجابة وفقا لطبيعة علاقات فرنسا معهما في تلك اللحظة السياسية.

إن القصد من إيراد هذه النقطة، تأكيد حساسية العلاقة بين الجزائر والمغرب وكيف أن هذه الحساسية من المسائل التي تؤخذ بعين الاعتبار حتى في الدوائر غير المغاربية.

ويعلم الجميع أن مشكلة الخلاف الجزائري - المغربي حول الصحراء مشكلة طالت أكثر مما يجب، وبدل أن تعرف طريقها تدريجيا إلى الحل والمعالجة، فإنها ما فتئت تتعكر وتتعمق، بدليل التوتر الذي شهدته العلاقات في الصائفة الماضية وتمظهر بالأساس في تبادل اتهامات حول تجاوزات في مجال حقوق الإنسان.

ولكن ما مناسبة استدعاء الخلاف المغربي - الجزائري الآن بالذات؟

في الحقيقة إذا ما قمنا بمتابعة دقيقة لزيارة العاهل المغربي الأسبوع الماضي لتونس، فسنلاحظ أن الجزائر كانت حاضرة بقوة. ويمكن تسجيل حضورها في نقاط عدة:

النقطة الأولى تتصل بكلمة الملك محمد السادس في المجلس الوطني التأسيسي التونسي، حيث قال فيها صراحة إنه ليس معقولا أن تظل الحدود مغلقة بين بلدان المغرب العربي. والمعروف أن الحدود الوحيدة المغلقة في منطقة المغرب العربي هي الحدود المغربية - الجزائرية. ومن ثمة، فإن الرسالة هي من المغرب إلى الجزائر.

كما أن تركيز العاهل المغربي على موضوع اتحاد المغرب العربي الذي وصفه بالحاجة والضرورة وأنه ليس ترفا سياسيا، إضافة إلى تأكيد طابعه الإلزامي والحيوي باعتبار أن التوازنات العالمية اليوم تقوم على التكتلات لا على دول خارج كيانات واضحة الأهداف والمصالح.. كل هذا التأكيد والحال أن مؤسسات الاتحاد المغربي معطلة منذ 20 عاما، إنما يعد أيضا رسائل واضحة ومباشرة إلى الجزائر من منطلق أن الخلاف المغربي - الجزائري هو الشوكة الأساسية في حلق الاتحاد المغاربي. وهو ما يعني من جهة أخرى أن يد المغرب ممدودة للجزائر على الأقل في مستوى الخطاب الرسمي.

وإذ نركز على مسألة الخلاف المرتبطة بقضية الصحراء، فلأن العقبة الكبيرة الحائلة دون تفعيل مؤسسات الاتحاد المغاربي أو بعثه من سباته، تتعلق بالخلاف المذكور، وهو خلاف لم تنجح في معالجته محاولات الوساطة لرؤساء المغرب العربي على امتداد العقدين الماضيين، أي إنه خلاف ولم تتوفر له إلى حد الآن الإرادة الحقيقية والعملية لحله بصورة نهائية.

لهذه الأسباب يبدو لنا أن أي حديث من جانب البلدين المتخاصمين لا يسبقه حل توفيقي للموقفين في خصوص قضية الصحراء، هو في الحقيقة حديث لا يتعدى المناسبة واللحظة اللتين ورد فيهما.

المظهر الآخر لحضور الجزائر بالغياب في زيارة العاهل المغربي أيضا لتونس، يتمثل في الإعلان عن اجتماع وزراء خارجية المغرب العربي للتنسيق حول الوضع في ليبيا وذلك في إطار العمل المغربي حسب البلاغ. ولكن هذا الاجتماع الذي كان مقررا الأحد الماضي، قد أعلن عن تأجيله، مع العلم بأن المتابع للملف المغربي - الجزائري كان يمكنه أن يتوقع بسهولة صعوبة عقد الاجتماع، وذلك للأسباب التي ذكرناها سالفا، وأيضا لأن الوضع في ليبيا غامض حتى على مستوى التمثيل الدبلوماسي، دون أن ننسى كذلك أن الرئيس التونسي المنصف المرزوقي سبق أن أعلن أنه في أكتوبر (تشرين الأول) 2013 ستعقد قمة مغاربية، إلا أنها لم تقم.

المظهر الرابع الذي سجلت فيه الجزائر حضورها بالغياب في زيارة الملك محمد السادس، يتمثل في بعض العناوين التي وضعتها بعض الصحف الجزائرية التي جاء في بعضها طرح مباشر لسؤال: ماذا يفعل العاهل المغربي في تونس؟

وكما هو معروف، فإن تونس التي تعاني اليوم من ظاهرة الإرهاب والتي في حاجة إلى دعم الجزائر ومساعدتها في حماية حدودها، هي أيضا قد تتأثر بتداعيات هذه الحساسية المفرطة بين البلدين وذلك في ظرف تونسي حساس جدا لا يحتمل تراجع الجزائر أو حتى حيادها في ملف مطاردة الإرهاب ومحاربته.

ومن ثم، فإنه في الوقت الذي يتكرر فيه الحديث عن الاتحاد المغاربي، يتضح فيه أكثر أن الخلاف الجزائري - المغربي ليس فقط عرقل قيام الاتحاد المغاربي وتفعيل مؤسساته ومشاريعه المتروكة على جنب رغم حاجة المنطقة اقتصادا وشبابا إلى تجسيدها.. بل إنه في لحظات ذروته يلقي بظلاله حتى على العلاقات الثنائية داخل المغرب العربي.

إن الجزائر بالفعل سجلت حضورها غير المباشر في كلمة ملك المغرب، كما أن عينها لم تغفل عن أسباب الزيارة ودلالاتها، لذلك بدت لنا الجزائر حاضرة.. بالغياب.